سوري في المهجر .. "خرجنا من الخوف والقتل ولكن إلى الفقر والجوع إلى خيمة لا تتسع لنا ولا لأحلام الأطفال"

سوري في المهجر .. "خرجنا من الخوف والقتل ولكن إلى الفقر والجوع إلى خيمة لا تتسع لنا ولا لأحلام الأطفال"
سوري في المهجر .. "خرجنا من الخوف والقتل ولكن إلى الفقر والجوع إلى خيمة لا تتسع لنا ولا لأحلام الأطفال"

 أبو الزين، أب لأربعة أطفال، يجهد مع زوجته وأطفاله في بداية حياة جديدة بأبسط مقومات، بعد أن غادروا سوريا جراء الخوف من انتهاكات ارتكبت في مدينة حمص بعد سقوط نظام الأسد. يروي لمهاجرنيوز دوافعه للمغادرة وتفاصيل حياته في لبنان.

"اسمي أبو الزين، سوري من الطائفة العلوية، متزوج ولدي أربع بنات ومع وزوجتي، جميعا نعيش الآن في لبنان.

قبل سقوط النظام في سوريا (في كانون الأول/ديسمبر 2024)، كنت أعمل سائق تكسي. درست حتى الإعدادية وعملت في نحت خشب المفروشات ومهن أخرى. زوجتي عملت في مهنة الخياطة. عشت لسنوات في ريف دمشق ثم انتقلت إلى حمص منذ نحو ست سنوات، واستأجرت شقة في حي الزهراء حتى سقوط النظام.

لم أكن أفكر بمغادرة سوريا رغم أن الوضع الاقتصادي كان سيئا جدا ولكن كان الحال مستورا وكان على الأقل هناك سقف فوقنا.

سرعان ما تبددت الأحلام

عند سقوط النظام، ذهبت مع عائلتي إلى الساحل السوري مثلما ذهب كثيرون ظنا منا أن مناطقه أكثر أمنا ولا أحد يعرف ما الذي سيحدث فسقوط دولة شيء مرعب. وبعد أربعة أيام عدنا إلى حمص عندما سمعنا عن عمليات صلح وتسويات وشعرنا بأن الأمور تمضي لخير.

وشاركت أنا وعائلتي الاحتفالات بسقوط النظام كوننا شعرنا للوهلة الأولى أننا سنعيش كالأخوة في سوريا، ولكن سرعان ما تبددت الأحلام وبدأ الخوف والخطف والقتل في كافة الأحياء التي يقطن فيها غالبية من الطائفة العلوية في حمص.

أبو الزين السوري المقيم في لبنان أرسل الصورة لمهاجر نيوز
أبو الزين السوري المقيم في لبنان أرسل الصورة لمهاجر نيوز


والخوف الأكبر كان بعدما بدأت حملات التمشيط والتي قالت السلطات الجديدة إنها تستهدف فلول النظام مثلما أسمتهم، وخلالها تم إطلاق النار بشكل جنوني، إضافة إلى تعرض شباب علويين للإهانة والذل والاعتقال بدون سبب مقنع وحتى اليوم لم يخرج منهم إلا عديد قليل.

وبعد حملات التمشيط، عاشت هذه الأحياء أجواء يملؤها الخوف، وكانت المحلات تغلق عند الساعة السادسة مساء. وفي الليل، يسمع إطلاق الرصاص في الشوارع من حيث لا ندري وكان المصدر الوحيد لنا لمعرفة ما يحدث هو الفيسبوك والمجموعات على الواتساب ويقال إنها دوريات للأمن العام أو مجموعات خارجة عن القانون وعناصر الهيئة تلاحقهم. لكن وبعد حالات الخطف والقتل والإساءة والكلام الطائفي على الحواجز المحيطة بهذه الأحياء، أصبح الخوف هو المسيطر تماما.

وبعد التهديدات التي عشناها والمجازر التي حصلت بريف حماه وريف حمص الغربي والشرقي والساحل السوري، كان لا بد لي أن أغادر سوريا بأي شكل حفاظا على عائلتي.

(وثقت تقارير عدة لمؤسسات حقوقية منها المرصد السوري لحقوق الإنسان ومجموعة السلم الأهلي في حمص وفي سوريا انتهاكات لعمليات خطف وقتل وقعت في ريف حماة وحمص الغربي راح ضحيتها أكثر من 60 شخصا حتى منتصف شباط/فبراير، وفي الساحل السوري راح ضحيتها أكثر من 1700 شخص بين 6 و12 آذار/مارس جراء عمليات قتل خارج نطاق القانون)

ترددت كثيرا وألغيت الفكرة عدة مرات

تواصلت مع أحد الأصدقاء الذين غادروا قبلي وشرحت له وضعي ووضع عائلتي بالتفصيل، وتكفل هو بأجرة الطريق من سوريا إلى لبنان. وغادرنا أنا وعائلتي وعائلة أخرى في الوقت نفسه.

ترددت كثيرا قبل أخذ القرار، خصوصا وأنه سيتم ذلك بطريقة غير نظامية، وببداية تواصلي مع المهرب ترددت أيضا وألغيت الفكرة عدة مرات، لكن عندما سمعت آخر حوادث الخطف والقتل، حسمت أمري وقررت الرحيل مهما كانت النتائج.

وأخيرا أتى المهرب وكان معه شخصان سألته عن السفر إذا كان آمنا، فقال لي إني سأصعد أنا مع أحد الأشخاص الموجودين على دراجة نارية وعائلتي ستصعد بحافلة صغيرة وشخص ثالث كان يتكفل بأمور الحواجز. وكان السفر يحدث يوميا في تلك الفترة.

والحمد لله خرجنا من الخوف والقتل ولكن إلى الفقر والجوع، إلى خيمة لا تتسع لنا ولا لأحلام الأطفال، ولكن لا حول ولا قوة.

وللأسف الوضع المعيشي هنا مأساوي وسبل العيش الوحيدة هي المساعدات من العائلات المحيطة بنا.

قسم المطبخ من الخيمة. أرسل السوري المقيم في لبنان الصور إلى مهاجر نيوز
قسم المطبخ من الخيمة. أرسل السوري المقيم في لبنان الصور إلى مهاجر نيوز
ترتيب الأغراض. أبو الزين السوري المقيم في لبنان أرسل الصورة لمهاجر نيوز
ترتيب الأغراض. أبو الزين السوري المقيم في لبنان أرسل الصورة لمهاجر نيوز
1/2


ولا يوجد أي طريقة لا للرجوع إلى سوريا ولا للجوء لأي دولة، علما كنت قد أجريت مكالمتين مع المفوضية للاجئين وقالوا إنهم سيقابلونني بالوقت القريب وهذا منذ أكثر من شهر ولكن لم يحدث شيء حتى الآن.

بالقرب منا يوجد نبع ماء نغسل فيه، ويتم قضاء الحاجة في العراء حوله.

مكان الغسيل، قرب النبع. أرسل أبو الزين السوري المقيم في لبنان الصورة إلى مهاجر نيوز
مكان الغسيل، قرب النبع. أرسل أبو الزين السوري المقيم في لبنان الصورة إلى مهاجر نيوز


في منطقة بعيدة عنا تقريبا 2 كيلومتر، نذهب إليها للاستحمام مرة في الأسبوع.

الطقس هنا جيد كوننا في الصيف فالجو معتدل، إلا أن الأولاد لم يتعودوا بعد على هذه الحياة وهذا الطقس وهم يعانون دوما من التهاب البلعوم واللوزتين.

ما يؤلمني هو أنني كنت أعد مستقبلا لأطفالي من خلال الدراسة لا سيما وأنهن متميزات، لكنهن الآن يعشن من دون أي دراسة، وهذا أكثر ما يؤلمني.

في بداية وصولنا إلى هنا كانت الجمعيات المحلية تقدم لنا بعض المساعدات مثل الخبز أو الرز أو البرغل وأحيانا بعض الوجبات الجاهزة، لكن الآن توقف هذا ولم نعد نحصل على أي شيء.

استغلال فظيع

والمشكلة التي نقع فيها هنا هي أن الناس استغلاليون بشكل فظيع، ذهبت أنا وزوجتي عند أشخاص هنا، عرضوا عليّ 150 دولار شهريا لقاء عمل في الأرض، وعرضوا على زوجتي مبلغ 25 دولار في الأسبوع أي 100 دولار في الشهر لقاء تنظيف بيت بدوام من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء.

حاليا أعيش في هذه الخيمة التي تكرم عليّ فيها شخص هنا لقاء العمل في الأرض، تنظيف وسقاية وحفر حول الأشجار، لم أعمل في حياتي سابقا في الأرض، وهنا تعلمت ذلك.

كل ما أتمناه الآن هو تأمين مستقبل آمن لأطفالي. أتمنى أن يعيشوا حياة كريمة، وأن يعم الأمن في بلدي الغالي سوريا وأن تتمكن جميع الطوائف من التعايش مع بعضها كعائلة واحدة".


تعليقات