نزل لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تحت رعاية أمير قطر في الدوحة، كالصاعقة على بعض الأطراف العراقية، تنتمي جميعها إلى تحالف ما يسمى بـ"الإطار التنسيقي" الشيعي المتهم بالولاء لإيران، والذي ينحدر منه السوداني نفسه.
فبينما سعت هذه الأطراف إلى تشويه صورة الشرع على مدى أشهر بعد سقوط نظام الأسد، تفاجأت أيضاً قبل لقاء الدوحة بدعوة وجهها السوداني إلى الرئيس السوري لحضور القمة العربية المرتقبة في بغداد، ضارباً عرض الحائط مطالب "الإطاريين" باعتقال الشرع وفق مذكرة قديمة.
انقسام في الائتلاف الحاكم
ما يزال صدى الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي يُسمع في آذان سياسيين عراقيين موالين لإيران حتى اليوم، ينعكس ذلك بوضوح في مواقفهم من القيادة السورية الجديدة التي نالت اعتراف ودعم الدول العربية والغربية، كيف لا وقد قادت هذه القيادة سقوط حليفهم بشار الأسد بعد 13 سنة من دفاع طهران ومليشياتها العراقية عنه، وفتحه الباب واسعاً أمام تحركاتهم في سوريا.
يبرز على رأسهم حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق (لدورتين بين 2006-2014) نوري المالكي، المنخرط في التحالف الحاكم عبر "ائتلاف دولة القانون"، والذي طالب بـ"مراعاة خلو السجل القضائي العراقي أو الدولي من التهم أو الجنايات لمن يشترك في أعمال القمة العربية على أي مستوى من مستوياتها".
وأضاف المالكي الذي شهدت فترة حكمه اتهامات للحكومة بإقصاء المكون السني في العراق: "إن دماء العراقيين ليست رخيصة حتى يدعى إلى بغداد من استباحها واعتدى على حرماتهم أو أن يرحب بمن تورط بجرائم موثقة بحقهم".
ومن اللافت تباين الرؤى بين المالكي والسوداني حول الملف السوري، حيث كان الأخير منخرطاً في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون لسنوات، قبل أن يستقيل منهما في ديسمبر/كانون الأول 2019 لغرض التقدم كـ"مرشح مستقل" لرئاسة الوزراء على وقع احتجاجات شعبية معارضة للطبقة السياسية، واجهتها قوات رسمية بالرصاص آنذاك، لكنه انتظر حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022 لتولي المنصب مرشحاً عن "الإطار التنسيقي" الذي يضم حزبه السابق.
ثاني أبرز المعارضين لزيارة الشرع كان زعيم فصيل "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، حيث اعتبر في منشور على منصة "إكس" حضور الشرع للقمة "سابقاً لأوانه"، وأن مجيئه إلى بغداد "يؤدي إلى تداعيات إذا تم تطبيق القانون واعتقاله من قبل القوات الأمنية نظراً لوجود مذكرة اعتقال نافذة بحقه".
قطار الإدانات الذي تتجاهله السلطات الرسمية العراقية تواصل على لسان المتحدث باسم "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري، الذي قال إن القمم العربية "كانت تعقد من دون حضور بشار الأسد ومن دون العراق أو ليبيا، وهي لن تتوقف قطعاً بسبب عدم حضور المدان أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة الإجرامية"، بحسب وصفه.
"الإطار التنسيقي" الحاكم نفسه انقسم في التعاطي مع زيارة الشرع، حيث أكد مرشحهم رئيس الوزراء توجيه دعوة رسمية للشرع، ثم التقى به في الدوحة.
أحزاب الإطار الأخرى، عكس صمتها القبول الضمني بزيارة الشرع، مثل "تيار الحكمة" بقيادة عمار الحكيم، و"ائتلاف النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي كان قد سارع في طرح مبادرة بعد سقوط الأسد بأيام أطلق عليها "مبادرة الرافدين"، لمساندة سوريا، والوقوف معها لبناء تحوّل سياسي ديمقراطي.
ولا يعتقد الباحث والمحلل السياسي العراقي شاهو القرة داغي، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن هذه القضية ستؤدي إلى ارتدادات كبيرة داخل الإطار التنسيقي، "خاصة أن الخط العام والرئيسي يدرك المتغيرات الإقليمية وخاصة ما جرى في سوريا، لذا فالأمر قد يقتصر على توجيه الانتقادات وبعض العتاب داخلياً فيما بينهم دون الوصول إلى احتكاكات نتيجة لهذا الموضوع".
إلا أن المحلل السياسي العراقي أوضح أن "من الممكن في حال حصول الزيارة أن يقوم المعترضون بإثارة بعض المشكلات والوقفات ورفع اللافتات؛ ولكنها لن تصل إلى درجة تعطيل أو عرقلة الزيارة وغرضها، خاصة أن الدولة العراقية تتبنى هذه الرؤية وستقوم بفرضها من دون الاكتراث بهذه الأصوات التي تعمل على تنفيذ أجندة خارجية على حساب العراق".
ويضيف الكاتب والمحلل السياسي غانم العابد، في حديث تلفزيوني لقناة "زاكروس" المحلية، أن عدد النواب الرافضين لزيارة الشرع يصل إلى 50 نائباً فقط، وهو ما يمثل نسبة قليلة من مجموع 329 نائبا.
شائعات المذكرة المزعومة
برز في استياء بعض قوى "الإطار" من زيارة الشرع المرتقبة تجاهلهم الواضح لبيان رسمي أصدره مجلس القضاء الأعلى في فبراير/شباط الماضي، والذي أكد عدم وجود مذكرة توقيف ضد الرئيس السوري، مؤكداً أن المتداولة "مزورة وغير صحيحة".
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تواصل حسابات داعمة للفصائل العراقية المسلحة، دون جدوى، محاولة تشويه صورة الرئيس السوري بعد دعوته لقمة بغداد.
ونشر موقع "صابرين نيوز" وثائق تتعلّق بالشرع، لم يتم التأكد من صحتها، تُظهر وصل تسلم "أمجد مظفر حسين النعيمي" في دائرة الإصلاح بسجن التاجي، وهو الاسم الذي استخدمه الرئيس السوري خلال فترة اعتقاله بالعراق قبل سنوات.
وبرز من بين الأصوات المتداولة، مدير مديرية الإعلام والتوجيه المعنوي في وزارة الدفاع، اللواء يحيى رسول، الذي هاجم الشرع واتهمه وجميع الفصائل السورية بالإرهاب، لكن سرعان ما جاء القرار الرسمي بإحالته إلى إمرة الوزارة وإعفائه من منصبه، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية عدة بينها شبكة "السومرية نيوز" عن مصدر أمني.
وهذا الإعفاء هو الثاني الذي يطول رسول بعد إعفائه في يناير الماضي من منصب الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، وهو ما يشير إلى أن الإعفاء الجديد جاء معاقبة له على خلفية تصريحاته.
ولابد من الإشارة إلى أن التصريح الذي تم تداوله تقول بعض المصادر إنه يعود لديسمبر/كانون الأول الماضي، أي قبل نحو شهر من إقالته أيضاً من منصب المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة.
ويؤكد القرةداغي في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن الأصوات التي تسبب الضجيج في هذا الملف هي للموالين لإيران ووكلائها، حيث تعادي الشرع لمصلحة ذاتية وأجندة خارجية، وما يشاع حول تورطه بجرائم طالب الشرع بدليل عليها قبل المثول أمام القضاء".
ويشير القرةداغي بذلك إلى ما تحدث به السياسي العراقي عزت الشابندر في 6 مارس/آذار الماضي، حيث أوضح أنه قابل الشرع "وأبلغني استعداده المثول أمام القضاء العراقي إذا توفرت أدلة عن تورطه بدماء العراقيين".
تأييد بارز للشرع
في مقابل تلك الأصوات، تبدو خطوات الحكومة العراقية حريصة على الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع سوريا وتعزيز العلاقات الإقليمية واستقرار المنطقة، في تجاهل للضغوط السياسية الداخلية، والسير على خطا الإجماع العربي والدولي في التعاطي مع "دمشق الجديدة".
وتؤيد رؤية الحكومة الشخصيات والأحزاب السنية والكردية، حيث سارعت للإشادة بالتقارب مع القيادة السورية الجديدة ودعوتها لبغداد.
فقد رحب زعيم "تحالف السيادة"، خميس الخنجر، في بيان له، بلقاء السوداني والشرع في قطر، وحضور الأخير إلى القمة العربية في بغداد، معتبراً اللقاء "يمثل خطوة مهمة لتعزيز التعاون العربي، وتكريس منطق الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية، وإعادة بناء جسور الثقة والتكامل بين شعوبنا بما يخدم أمن واستقرار منطقتنا".
بدوره، تحدث السياسي مشعان الجبوري، عن أنه "تم تلفيق التهم على الشرع مثلما تم تلفيق آلاف التهم ضد السنة في العراق".
الطرف الكردي لم يكن بعيداً عن التأييد، حيث كتب القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ووزير الخارجية السابق هوشيار زيباري في منصة "إكس" قائلاً: "العراق مقبل على استضافة القمة العربية في بغداد بعد جهود حثيثة من الحكومة لتأكيد انتمائه إلى الحضن العربي وعالمه العربي".
وتابع: "لكن هناك أصوات ودعوات نشاز من بعض النواب المغمورين بدوافع طائفية تحاول فتح النار على سوريا ولبنان والكويت وقطر ودول خليجية شقيقة بهدف إحراج الحكومة أمام العرب".
حديث زيباري جاء ليؤكد الاطمئنان الكردي تجاه الشرع، بعد اللقاء الذي جمع رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني بالرئيس السوري على هامش "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" قبل أيام.
فقد أزال اللقاء المخاوف في ملفات بارزة، وأكد الطرفان أهمية التعاون في محاربة تنظيم "داعش" وضرورة تحقيق السلام في سوريا بحلول سياسية عادلة تضمن حقوق جميع المكونات، وعلى رأسها الأكراد.
ويقول القرةداغي لـموقع "تلفزيون سوريا" حول ذلك، إن "الكرد موقفهم مرتبط بموقف العراق الرسمي بخصوص هذه القضايا، وهم عبروا عن النظرة الإيجابية بخصوص أحمد الشرع والرغبة في بناء علاقات سليمة مع سوريا الجديدة، وبالتالي سيكون الموقف الكُردي مرحباً ومؤيداً للزيارة".
تعليقات
إرسال تعليق