"الموافقة هي المفتاح".. اتهامات لصوفبا بإرغام السوريين على العودة الطوعية

"الموافقة هي المفتاح".. اتهامات لصوفبا بإرغام السوريين على العودة الطوعية
"الموافقة هي المفتاح".. اتهامات لصوفبا بإرغام السوريين على العودة الطوعية


 في قاعة الزوار بمركز احتجاز المهاجرين في بوسمانتسي الواقعة على أطراف العاصمة البلغارية صوفيا، جلس عماد أمام طاولة فيما أخذت عيون الحرس الساهرة ترقبه، وعلى الجدار خلفه علق منشور باسم وكالة الحدود الأوروبية (فرونتيكس) جاء فيه: "ألا تفكر بالعودة إلى بلدك؟" Ads by Eonads

كان عماد ما يزال قاصراً عندما فر من مدينته حلب التي دمرتها سنوات من الحرب والقتال، فسافر إلى تركيا في عام 2020 ومنها دخل إلى بلغاريا في حزيران من عام 2023. حصل عماد على الحماية الدولية وعثر على سكن في شقة مشتركة بصوفيا.

اتهامات بالإرهاب

ولكن بعد مرور عام على ذلك، ألقي القبض على عماد في بيته عند الفجر، ثم جردته هيئة المخابرات البلغارية من إذن الإقامة وهذه الهيئة تعرف باسم وكالة الدولة البلغارية للأمن القومي والتي عددت أسباباً لذلك تتعلق بالأمن القومي للبلد، وبما أن عماداً حرم من دخول الاتحاد الأوروبي مرة أخرى، فإنه تقدم بطعن لذلك القرار، إلا أن ذلك لم يكن مجدياً، فبقي في مركز الاحتجاز ريثما يتم ترحيله، حيث يخضع للاستجواب بشكل متكرر، إذ قال في شهر تموز الماضي: "يقولون بأني إرهابي، فلم أعطيتموني الإقامة إن كنت إرهابياً".

لكن الترحيل ليس بالأمر السهل، إذ لابد لبلغاريا أو غيرها من دول الاتحاد الأوروبي أن تصل إلى صيغة اتفاق على ذلك بشكل أو بآخر مع الحكومة السورية الجديدة التي تشكلت بعد هروب الأسد، ولكن حتى الآن لم يعلن عن عقد أي اتفاق رسمي من هذا القبيل، لذا، وبدلاً من ذلك، زار مسؤولون من فرونتيكس عماداً أربع مرات خلال العام المنصرم، وحاولوا إقناعه بالعودة "طوعاً" إلى سوريا، حسب ما ذكره محاميه. كما أخبرنا عماد بأن مسؤولين بلغار معظمهم يتبعون لمديرية الهجرة التابعة لوازرة الداخلية، زاروه أكثر من مرة هم أيضاً، وأضاف: "أخبروني بأن علي أن أوقع، لأني إن لم أوقع، فسيرحلونني بشكل قسري"، ويخبرنا عماد بأنه ليس لديه بيت ليعود إليه، كما لديه شقيق أصغر منه يعيش في بلغاريا، ويعلق على ذلك بالقول: "لا أستطيع أن أتركه، فماذا لو اتهموا أخي بالإرهاب هو أيضاً؟"

عودة "طوعية" تحت وطأة الضغط النفسي

تمسك الأسد المخلوع بالسلطة طوال عقد كامل، وخلال تلك الفترة حصل معظم السوريين والسوريات على شكل من أشكال الحماية الدولية في بلغاريا، ولكن في عام 2023، حطمت طلبات اللجوء هناك رقماً قياسياً، كما أصبحت المواقف متشددة تجاه كل من يحاول عبور الحدود البلغارية بطرق غير شرعية، ومعظمهم من السوريين والأفغان وغيرها من جنسيات الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا.

ولهذا جرى تمديد برنامج العودة الطوعية وإعادة الإندماج من خلال المساعدات برعاية وزارة الداخلية البلغارية، وذلك عقب الإطاحة بالأسد في كانون الأول من عام 2024، وبذلك عاد أكثر من مئتي سوري وسورية خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام.

أكدت السلطات على أن تلك العودة تمت بشكل طوعي، حتى لو اتخذ قرارها في مركز الاحتجاز، حيث يحصل كل من يتطوع لذلك على مبلغ قدره 150 يورو نقداً في المطار قبل أن يصعد على متن الطائرة التي ستقله في رحلة العودة.

يخبرنا محامون ومنظمات حقوقية ومعتقلون عن هذه المنظومة التي تطيل مدة الاحتجاز وتزيد من عوز الناس، وهذا لم يترك للسوريين أي خيار حقيقي سوى التوقيع على أوراق ترحيلهم.

بتمويل من المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وبمبالغ تصل إلى ملايين اليوروهات، وبدعم من وكالة فرونتكس، يمثل برنامج العودة تحولًا حادًا في نهج بلغاريا تجاه حماية اللاجئين السوريين، لكنه بات عرضة لتساؤلات كثيرة حول الأساليب المستخدمة في تنفيذه.

تقول ديانا رادوسلافوفا وهي محامية ومؤسسة منظمة مركز المساعدة القانونية وهي منظمة غير حكومية بلغارية تساعد الاجئين: "إن أهم أداة تستعين بها السلطات هي الضغط النفسي على الناس حتى يوقعوا على العودة الطوعية، و"الأسلوب" الأساسي الذي يعتمدونه لممارسة هذا الضغط النفسي يتلخص بالاحتجاز".

ذكر ناطق رسمي باسم فرونتيكس بأن كل ما يفعله موظفونه هو تقديم "جلسات استشارية" بحسب وصفه، وذلك في حال موافقة الشخص على الترحيل، ويتابع بالقول: "الموافقة هي المفتاح، أما بالنسبة لأي شيء آخر يحدث داخل هذين المركزين، فلا يمكن إلا للسلطات البلغارية الحديث عنه".

ذكرت وزارة الداخلية البلغارية بأن مديرية الهجرة "مجبرة على إبلاغ جميع مواطني الدولة الثالثة بخصوص فرض إجراءات إدارية قسرية بشأن برامج العودة القائمة حالياً سواء الطوعية منها أم القسرية".

في حين لم ترد المفوضية الأوروبية لحين نشر هذه المادة، على طلب التعليق على الموضوع.

الاحتجاز كأداة للجبر والإكراه

تعرّف مفوضية اللاجئين العودة الطوعية بأنها عودة اللاجئ أو اللاجئة إلى بلدهما الأصلي بموجب: "خيار بناه [اللاجئ] على معلومات وقرره بنفسه"، وبخلاف عمليات الترحيل القسري، لا يجوز أن يمارس أي نوع من أنواع الإكراه أو الجبر على اللاجئ. وفي حال تقديم السلطات لمساعدات مالية ولوجستية للأفراد المتعاونين في مسألة ترحيلهم، فإن تلك العملية توصف بإنها عملية عودة مبنية على مساعدات إنسانية وتنظيمية.

خلال صيف عام 2024، أي عندما كان بشار الأسد ما يزال في السلطة، بدأت نسبة قبول طلبات لجوء السوريين في بلغاريا تهبط بشكل سريع.

وتبريراً لذلك القرار، صرحت وكالة الدولة البلغارية المعنية باللاجئين بأن العنف في سوريا "لم يصل لمستوى عدم التمييز" الذي كان يضمن حصول طالب اللجوء على صفة لاجئ.

واستشهدت تلك الوكالة بمصادر كان من بينها توجيه محلي عبر وكالة اللجوء الأوروبية و"منشورات صادرة عن مركز كارتر وهي منظمة غير حكومية أميركية"، فقد انخفضت نسبة قبول طلبات اللجوء التي تقدم بها مواطنون سوريون بشكل فوري وذلك من أكثر من 90% خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2024، إلى أقل من 18% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من ذلك العام.

سقط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، رفضت طلبات لجوء أكثر من ألف مواطن ومواطنة سوريين، وأغلب من رفضت طلباتهم تخلوا عن العيش في بلغاريا بلا أوراق أو أي طريقة لكسب المال بشكل شرعي وقانوني.

ففي صوفيا، شهد مراسلو هذه الصحيفة كيف كانت دوريات الشرطة تجوب العاصمة على مدار الساعة لتفتيش الهويات في أحد الأحياء الذي أصبح يسمى بـ"شارع العرب"، نظراً لاحتشاد أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين فيه. وكل من لا يعثر بحوزته على أوراق ثبوتية مهدد بالنقل إلى مركز الاحتجاز في بوسمانتسي والذي وصفته رادوسلافوفا بـ"الرعب الأكبر" بالنسبة لهؤلاء الناس.

دورية للشرطة تجوب شارع القيصر تسميون المعروف محلياً باسم "شارع العرب" في العاصمة البلغارية صوفيا

تاريخ الصورة: تموز 2025

 

وبحسب ما ذكرته تلك المحامية، فإن السبيل الوحيد للخروج من مركزي احتجاز المهاجرين الموجودين في بلغاريا هو التوقيع على ما يعرف ببرنامج العودة الطوعية في هذا البلد.

في كانون الأول من عام 2024، نقلت منظمة (مطبخ بلا اسم) وهي منظمة إنسانية تدعم المهاجرين واللاجئين أثناء ترحالهم في أوروبا، كيف أجبرت السلطات البلغارية طالبي لجوء سوريين على توقيع أوراق ترحيلهم بهدف إعادتهم إلى سوريا.

أي أن السلطات تستعمل الاحتجاز كأداة لتحقيق ذلك، بحسب رأي إيسمي سميثسون سوين وهي منسقة الإبلاغ عن العنف لدى منظمة مطبخ بلا اسم، والتي قالت: "يمكن أن يحتجز المعتقلون لمدة قد تصل إلى سنة ونصف في حال اتهمتهم الحكومة بأنهم يمثلون تهديداً لأمنها القومي، والسلطات تمارس ذلك لعدة أسباب، من بينها المشاركة بأي شكل من أشكال المناصرة، أول محاولة المرء الدفاع عن نفسه بشكل كبير أو مطالبته بالإفراج عنه والتشديد على ذلك، لأن ذلك من شأنه إدراج اسمه وتصنيفه على أنه يمثل تهديداً للأمن القومي.. وحتى عند صدور أمر من المحكمة يقضي بإخلاء سبيل المحتجزين، يستمرون في احتجازهم بسبب الطعون التي ترفعها وكالة الدولة المعنية بالأمن القومي".

فعلى سبيل المثال، احتجز الناشط الحقوقي السعودي عبد الرحمن الخالدي لمدة 3 سنوات و11 شهراً، وطالب اللجوء الفلسطيني نضال صالح الوادي لمدة سنة ونصف، على الرغم من صدور حكم محكمة يقضي بإخلاء سبيلهما.

تمويل أوروبي ومشورة من فرونتيكس

ثلاثة أرباع تمويل برنامج العودة الطوعية في بلغاريا يأتي من المفوضية الأوروبية، كما تقدم فرونتيكس ما يعرف بالـ"المشورة بشأن العودة" لمن ترفض طلبات لجوئهم، وتشتمل تلك المشورة على معلومات حول "إجبار الشخص على مغادرة البلد، والعواقب المترتبة على عدم المغادرة"، مع التشجيع على "العودة الطوعية".

وبحسب ما ذكره الناطق الرسمي باسم فرونتيكس، فإن الوكالة أرسلت مستشارين إلى بلغاريا في عام 2024، حيث أجروا 976 جلسة لتقديم المعلومات كتلك التي حضر عماد أربعاً منها.

وخلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2025، أصبح هنالك سبعة مستشارين من فرونتيكس في بلغاريا، وأجرى هؤلاء 1152 جلسة من هذا النوع، وخلال الفترة ما بين شهري آذار وآب من هذا العام، ساعدت فرونتيكس على عودة 69 مواطناً سورياً من بلغاريا إلى وطنهم بشكل "طوعي" بحسب ما ذكره ذلك الناطق الرسمي.

في حين ذكرت رادوسلافوفا بأن تلك الجلسات ترقى لأن تكون حالة قسر وإكراه كونها تتم في ظل ظروف حبس فعلية للشخص، وتضيف: "عندما يسمع الشخص عبارة: "ستبقى هنا لمدة سنة ونصف"، عندئذ يختار أن يوقع على العودة الطوعية، ولعل ذلك لا يتم عند المحاولة الأولى أو الثانية، لكن مع تعاقب الجلسات التي يحضرها كل شهر مع تحول الظروف من سيء إلى أسوأ.. يفقد المرء قدرته على التحمل، فيوقع على ذلك".

 

لقطة شاشة لخطة عمل اتفقت عليها فرونتيكس مع وزارة الداخلية في بلغاريا في عام 2023

 

رفض طلب لجوء السوري رشيد مرتين بعد أن وصل إلى بلغاريا في آب من عام 2024، بحسب ما ورد في التقييم الذي قدمته رادوسلافوفا، ثم قبض عليه وهو في طريقه إلى العمل بسبب عدم توفر الأوراق اللازمة لديه، فنقل إلى مركز الاحتجاز في بوسمانتسي وخُيّر ما بين الموافقة على العودة الطوعية أو الاحتجاز لمدة سنة ونصف.

يخبرنا رشيد عما حل به فيقول: "لم يكن هناك أي مترجم، فكانوا يخاطبونني بالاعتماد على مترجم غوغل، وعندما سألتهم عن الأوراق التي أوقعها لم يعطوني أي معلومة".

بعد ذلك اكتشف أنه وقع على العودة إلى سوريا بشكل طوعي، وبموجب توقيعه، استخرجت مديرة الهجرة البلغارية له تصريح مرور من السفارة السورية بصوفيا، ثم حجزت له تذكرة رحلة بلا عودة إلى دمشق، وعندما تحدث إلى الصحافة، كان قد عاد إلى بيت أهله في ريف إدلب بشمال غربي سوريا، حيث قال: "عندما أخذوني إلى المطار، حاولت مقاومتهم، فاقتادني أربعة ضباط كانوا يرتدون لباساً مدنياً وضابط آخر يرتدي زياً عسكرياً إلى غرفة مقفلة داخل المطار وضربوني بالهراوات داخلها".



تعليقات