تحسن محدود لوضع ذوي الأجور المنخفضة، لكن عمال الطبقة المتوسطة أصبحوا أكثر عرضة للخطر في ظل تراجع القوة الشرائية
كشف أحدث تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية حول "أسواق العمل والأجور في أوروبا" عن صورة معقدة لواقع الرواتب في دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2019 وحتى عام 2025، حيث يشير التقرير إلى أن سوق العمل الأوروبي أظهر صموداً ملحوظاً في وجه الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية، مع استمرار معدلات البطالة عند مستوياتها التاريخية الأدنى. ومع ذلك، فإن جودة الوظائف والأجور الكافية لا تزال تشكل تحدياً، لا سيما في ظل تآكل القوة الشرائية. Ads by Eonads
تعافي الأجور الحقيقية: أقل من مستويات ما قبل الجائحة
يُظهر التقرير أن الأجور الحقيقية (وهي الأجور المعدلة حسب التضخم) بدأت في التعافي عام 2024 بنسبة نمو بلغت +2.7%. ورغم هذا الانتعاش، لا تزال الأجور الحقيقية في الاتحاد الأوروبي ككل أقل بنسبة 0.7% من مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19. هذا يعني أن العامل الأوروبي لم يستعد بالكامل بعد القوة الشرائية التي كان يتمتع بها في عام 2019.
عزا الاتحاد الأوروبي تباطؤ نمو الأجور إلى عوامل متعددة، منها انخفاض نمو الإنتاجية، وعدم اليقين الاقتصادي العام، وأسواق العمل الأقل تشدداً. وفي محاولة لدعم جودة الوظائف، أشار التقرير إلى أن تدابير مثل رفع الحد الأدنى للأجور أثبتت فعاليتها في دعم ذوي الأجور المنخفضة.
المستفيدون والخاسرون: الطبقة المتوسطة في مرمى التضخم
أحد الاستنتاجات الأكثر أهمية في التقرير هو التباين في تأثير هذه الديناميكيات على فئات العمال المختلفة:
ذوو الأجور المنخفضة: تحسن وضع هذه الفئة نسبياً منذ الجائحة، وشهدت أعدادهم انخفاضاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادات الحد الأدنى للأجور الأخيرة وإجراءات الدعم الحكومية.
عمال الطبقة المتوسطة: هذه الفئة أصبحت أكثر عرضة للمخاطر، لا سيما في الدول الأعضاء ذات الدخل المرتفع. لم يستفد هؤلاء العمال بالقدر الكافي من زيادات الحد الأدنى للأجور، ووجدوا أنفسهم يواجهون صعوبة متزايدة في تحمل تكاليف السلع والخدمات الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار بشكل كبير. هذا التدهور في وضع الطبقة المتوسطة يُعد مؤشراً مقلقاً على تآكل الدعم الاجتماعي التقليدي.
ورغم التقدم، أكد التقرير أن واحداً من كل خمسة عمال في الاتحاد الأوروبي لا يزال يعمل في وظائف تُصنف كـ "منخفضة الأجر".
صورة الأجور في الدول الأعضاء: تباين كبير
تباين نمو الأجور الاسمية بشكل كبير عبر دول الاتحاد الأوروبي في عام 2024، مع نمو قوي بشكل خاص في دول كانت تواجه تضخماً مرتفعاً أو أسواق عمل ضيقة:
أقوى نمو للأجور الاسمية (2024): رومانيا (+16.6%)، المجر (+12.6%)، وبولندا (+12.3%).
أكثر نمو معتدل (بين 3% و 5%): قبرص، الدنمرك، فرنسا، أيرلندا، إيطاليا، إسبانيا، والسويد.
أدنى نمو للأجور (2024): فنلندا (+1.8%)، لوكسمبورغ (+2.2%)، وبلجيكا (+2.9%).
الأجور الحقيقية في قبرص أقل من المتوسط: فيما يتعلق بالأجور الحقيقية، ظل نموها في قبرص أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 2.7% في عام 2024. وقد عُزي ذلك إلى التضخم المستمر نسبياً في الجزيرة.
مقارنة حاسمة: الرواتب الحقيقية في 2024 مقابل 2019
تكشف مقارنة الأجور الحقيقية لعام 2024 بمستويات ما قبل الجائحة في عام 2019 عن اختلافات هائلة بين الدول:
أقوى تعافٍ (زيادة > 12%): دول مثل بلغاريا، كرواتيا، ورومانيا (تجاوزت الزيادة 20% في بعضها)، بالإضافة إلى المجر وليتوانيا وبولندا.
زيادة متواضعة (< 7%): قبرص، النمسا، بلجيكا، الدنمرك، وإستونيا.
في قبرص تحديداً، بلغت الزيادة في الأجور الحقيقية من 2019 إلى 2024 نسبة +6.6%، ومن المتوقع أن تصل إلى +7.9% بحلول عام 2025.
انخفاض عن مستويات ما قبل الجائحة: شهدت تسع دول أعضاء، من بينها اقتصادات كبيرة مثل ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، واليونان، انخفاضاً في الأجور الحقيقية مقارنة بعام 2019، مما يعكس ضعف النمو الاقتصادي وتحديات الإنتاجية بعد الجائحة.
ورغم التوقعات بتحسن إجمالي، لا يزال يُتوقع أن تظل الأجور الحقيقية في دول مثل ألمانيا وإيطاليا وفنلندا وفرنسا أقل من مستويات عام 2019 حتى عام 2025.
تفاوتات الأجور وتحدي العدالة
أشار التقرير إلى أن الشعور بالظلم بشأن الأجور مرتفع في دول مثل قبرص (65%) واليونان (60%). هذا الشعور يتوافق مع بيانات مسح ظروف العمل الأوروبي لعام 2024، حيث اعتبرت نسبة كبيرة من العمال، خاصة النساء (أكثر من 18%)، أن أجورهم غير عادلة مقارنة بجهودهم.
كما أكد التقرير على استمرار التفاوتات الهيكلية:
المرأة والأجانب: النساء ومواطنو الدول الأخرى هم الأكثر عرضة للبقاء في وظائف منخفضة الأجر. فجوة الأجور بين الجنسين لا تزال قائمة عند 12% في المتوسط.
الاحتفاظ بالأجور المنخفضة: في قبرص، وصلت نسبة الاستمرار في الوظائف منخفضة الأجر لمدة 4 سنوات على الأقل إلى أكثر من 10%، وهي من بين أعلى النسب في الاتحاد الأوروبي، مع فجوات أوسع بين الجنسين مقارنة بمعظم الدول.
ختاماً، أكدت المفوضية على الحاجة الملحة إلى مبادرات معززة لتحسين الإنتاجية وجودة العمل. كما أشارت روكسانا مينزاتو، نائبة الرئيس التنفيذي للحقوق الاجتماعية، إلى ضرورة زيادة القدرة الشرائية للعمال لمكافحة أزمة غلاء المعيشة، مؤكدة أن الاستثمار في الأفراد هو مفتاح بناء أوروبا مرنة.
Ads by Eonads

تعليقات
إرسال تعليق