أعلنت مؤسسة "الدفاع المدني السوري" أو ما تُعرف بـ"الخوذ البيضاء" اندماجها في وزارة الطوارئ والكوارث السورية، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة دمشق، وضمن قرار وصفته بـ"التاريخي".
وقال مدير المنظمة منير المصطفى، الثلاثاء: "إن مؤسسة الخوذ البيضاء عقدت خلال اليومين الماضيين اجتماعها السنوي العاشر في العاصمة دمشق، في لحظة تاريخية هي الأولى من نوعها منذ التأسيس، حيث اجتمعت الهيئة العامة، وهي أعلى هيئة تشريعية في المنظمة لتقييم المرحلة الراهنة ودور المنظمة ومستقبلها".
وأضاف: "بناءً على المداولات والتفويض القانوني الممنوح للهيئة العامة، تم اتخاذ قرار تاريخي وبأغلبية أعضاء الهيئة العامة باندماج مؤسسة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) الكامل ضمن جسد الحكومة السورية، بحيث تنتقل برامج الاستجابة الطارئة إلى وزارة الطوارئ والكوارث السورية، بما يضمن توحيد الجهود وتطوير الاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني، ضمن إطار مؤسساتي حكومي، وكذلك تنتقل برامج وملفات عمل المنظمة الأخرى بما فيها ملفات العدالة والمحاسبة والمناصرة إلى الوزارات والهيئات الأخرى ذات الاختصاص".
وقال المصطفى إن "هذا القرار يأتي في سياق تحقيق المصلحة العليا للسوريين ويجسد الالتزام الصادق بميثاق المبادئ الذي وقعناه قبل 10 أعوام، وأكدنا فيه أن مهمتنا الإنسانية لا تتوقف عند إنقاذ الأرواح خلال الحرب، بل تستمر من خلال الإسهام الفاعل في بناء سوريا مستقرة ومزدهرة، تتحق فيها تطلعات الشعب السوري بالعدالة والحرية والتنمية ودولة المؤسسات".
فترة انتقالية
وأكد المصطفى خلال المؤتمر الصحفي أن هذه الإجراءات القانونية والإدارية المرتبطة باندماج المنظمة، ستتم خلال فترة انتقالية، وفق أعلى درجات المهنية وبما يتوافق مع القوانين السورية والدولية والالتزامات، كاشفاً عن تشكيل لجان قانونية وتقنية خاصة لقيادة الفترة الانتقالية.
ووجه شكراً للداعمين والمتطوعين، وأكد أن "إرث الخوذ البيضاء باقٍ، والاندماج هو بداية جديدة ننتقل فيها من إطار المجتمع المدني إلى الفعل المؤسساتي بإطار حكومي، حاملين معنا قيم التضحية والتفاني والكرامة الإنسانية ورسالتنا الخالدة".
"تعزيز الاستجابة الوطنية"
وقال وزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح، والمدير السابق لـ"الخوذ البيضاء"، خلال المؤتمر، إن قرار الاندماج لا يعني التخلي عن المهمة الأساسية، التي تغيرت من إنقاذ الأرواح إلى الحفاظ على الأرواح، لتنظيم سياسات وإجراءات ليكون كل بيت ومنشأة في سوريا آمن.
وأضاف بأن "هذه الخطوة هي لتعزيز الاستجابة الوطنية الطارئة لكل شبر في سوريا، ضمن أعلى المعايير".
سوريون يودعون "الخوذ البيضاء"
مع إعلان مؤسسة "الخوذ البيضاء" حلّ نفسها لصالح وزارة الكوارث والطوارئ، يقف السوريون على وداع مسيرة مؤسسة استمرت أكثر من عقد في النضال والإنسانية وإنقاذ الضحايا في سوريا على مختلف مشاربهم وألوانهم دون تمييز، تحت وطأة القصف والاستهداف المباشر لكوادرها، والدعاية المضادة التي أدارها النظام المخلوع بدعم روسي للإساءة إلى المنظمة الإنسانية الأكثر فاعلية في سوريا في زمن الثورة، بهدف تقويض نشاطها الفاضح للجرائم بحق السوريين، وشيطنتها أمام الرأي العام الدولي، إلا أنها تجاوزت التحديات ووصلت إلى نهاية الطريق مع الشعب السوري في الخلاص من حقبة استبدادية.
وارتبط اسم "الخوذ البيضاء" على مدار سنوات الثورة، بمشاهد متطوعيها يهرعون إلى مواقع القصف والدمار والمجازر، لإنقاذ السوريين وإسعافهم، وهو ما جعل منها اسماً ملهماً للعمل الإنساني في ظل ظروف قاهرة، ولذلك كان وقع إعلان المؤسسة حل نفسها، مؤثراً على مشاعر السوريين ممن عاينوا تضحياتها في ميدان الحرب السورية.
من الفردية إلى المؤسسة
وتأسس الدفاع المدني السوري في 25 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2014 ضمن مؤتمر تأسيسي عُقد في مدينة أضنة التركية، بعد تبعثر جهود العاملين في الاستجابة الإنسانية بين العامين 2012 و2014، وتداعي المتطوعين من مختلف المناطق السورية لإطلاق المنصة الجامعة لهذه المهّمة الإنسانية الشاقة، وذلك قبل أن يروج اسم "الخوذ البيضاء" بعد أقل من عام، نسبةً للخوذ الواقية التي يرتديها المتطوعون وتصبح علامةً إنسانية تغزو العالم في المؤتمرات والفعاليات والأحداث الدولية، انعكاساً لتضحيات المتطوعين في سوريا على مدار 11 عاماً.
وكانت البداية لعمل المتطوعين في نهاية العام 2012، ضمن مراكز اقتضت الحاجة إحداثها بشكل متفرق وعفوي، بسبب إحجام مؤسسات النظام المخلوع عن الاستجابة للقصف والكوارث في المناطق السورية المختلفة كسياسيات انتقامية، ولعل حادثة منع قوات النظام المخلوع فريق إطفاء في مدينة حلب من الاستجابة لحريق في حي سكني بحجة خروجه عن سيطرتها، البذرة الأولى لتأسيس أول فريق مختص لإطفاء الحرائق بقيادة منير المصطفى، مدير الخوذ البيضاء قبل أن تحل نفسها، بحسب ما يذكر موقع المؤسسة الرسمي.
ومع بداية العام 2013، بدأت الفرق تجمع شتاتها وتنسق عملها بهدف تنظيم عمليات الإنقاذ، إلى أن شهدت مناطق سورية تأسيس مراكز في الإنقاذ والمساعدة الطبية، تلقى متطوعوها التدريبات التخصصية وحصلت على بعض المعدات، وفي العام 2014 أنشأ العاملون مديريات في المحافظات السورية، لإيجاد حالة تنسيق فيما بينها، حتى شهدت سوريا ولادة "الدفاع المدني السوري" تحت شعار الآية القرآنية الكريمة: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
مرت المؤسسة بعدة تطورات وتحديات، منها إنشاء المكاتب الإدارية في تركيا في العام 2015، والمكتب الخارجية في العام 2019، وبينهما تشكيل الهيكلية للإدارة العامة والمؤسسة، إلا أن في العام 2022 أصدرت المؤسسة قراراً إدارياً يقضي بحلّ 13 مركزاً لها في شمال غربي سوريا، من بينها مراكز باب الهوى وسهل الروج ورام حمدان وتفتناز وحوار كليس وبزاعة، مع تخفيض طرأ على الدعم المالي المقدم لمنظمة الدفاع المدني.
وحتى إعلان "الخوذ البيضاء" حل نفسها، كانت تقوم المؤسسة على 6 برامج استراتيجية وحيوية تخدم السوريين في مستويات عديدة منها الصحية والإنقاذية والاجتماعية وهي "برنامج الصحة وبرنامج البحث والإنقاذ والإطفاء، وبرنامج العدالة والمساءلة وبرنامج البنى التحتية والخدمات المجتمعية العامة وبرنامج إدارة مخلفات الحرب وبرنامج الحماية".
في حين تبلغ أعداد متطوعي الخوذ البيضاء قرابة 3 آلاف و750 عنصراً.
بالأرقام.. حصاد الخوذ البيضاء في 11 عاماً
تمكنت فرق مؤسسة "الخوذ البيضاء"، منذ تأسيسها، من إنقاذ روح أكثر من 128 ألفاً و326 شخصاً، بينما وصلت أعداد استشارات الصحة العامة نحو 421 ألفاً و861 استشارة، و5 آلاف و600 استشارة في مجال الصحة الإنجابية، وأكثر من 12 ألفاً و500 خدمة طبية طارئة شهرياً، في حين وصلت أعداد الحرائق التي أخمدتها الفرق إلى 13 ألفاً و569 حريقاً، واستجابت لـ 7 آلاف و100 حادث سير، في حين أزالت 25 ألفاً و892 من الذخائر غير المنفجرة، بحسب أرقام المؤسسة على موقعها الإلكتروني.
في حين قدمت المؤسسة خلال مسيرتها أكثر من 300 شهيد، قتل أكثر من نصفهم إثر هجمات استهدفتهم بشكل متعمّد، كما تقول "الخوذ البيضاء".
إعلاميون يستعيدون ذكرياتهم مع الخوذ البيضاء
مع حل المؤسسة، لا يسع المصور الصحفي عمر حاج قدور إلا أن يستحضر صديقيه أنس دياب وراغب حدون، اللذين قضيا خلال تأدية واجبهم الإنساني ضمن صفوف "الخوذ البيضاء".
يقول عمر: "كأحد أبناء البلد والمصورين الذين عاصروا الثورة السورية منذ بداياتها، فإن الخوذ البيضاء، كانت إحدى أهم المؤسسات التي أنتجتها الثورة السورية العظيمة، وأصبحت رمزاً للتفاني والإنسانية والحياة".
ويضيف: "كان لي الشرف أن أوثق تأسيس أحد مراكز هذه المؤسسة عندما بدأت بتشكيل مراكزها، في ذلك الوقت، قمت بتغطية تأسيس مركز الدفاع المدني في مدينتي بنش، وكانت الإمكانيات بسيطة جدًا، لكن سرعان ما كبرت هذه الأسرة بطاقمها وإمكانياتها، ومنذ ذلك الحين وحتى تاريخ تحرير سوريا كنا رفاق درب؛ كنت معهم جنباً إلى جنب، أغطي عملياتهم في إنقاذ المدنيين من تحت ركام القصف الذي يتعرضون له جراء قصف النظام وروسيا، لقد كانوا مصدرًا للحياة في شمال غربي سوريا وأينما وُجدوا".
ويعتبر حاج قدور أن "هذه المؤسسة من أهم المؤسسات في التعاون مع الصحافة، سواءً من خلال كوادرها الإدارية أو العاملين الميدانيين".
ويختم: "من المؤلم جداً خبر حلّ هذه المؤسسة، فقد ارتبط اسم (الخوذ البيضاء) بذاكرتي وبذاكرة كل سوري، لكن الواقع اليوم يفرض علينا أننا أصبحنا في دولة، ومن الضروري تنظيم العمل ضمن هذه الدولة الجديدة وبناء هيكلة جديدة لكل ما هو موجود، لذلك، لن يتغير شيء على الصعيد الميداني، لكنني كنت أتمنى أن يبقى اسم "الخوذ البيضاء" حاضراً في أي جانب ميداني، لا أن يقتصر حضوره على الذاكرة فقط، لأنه كان رمزاً للحياة ويجب أن يبقى كذلك. وأقترح على وزارة الطوارئ والكوارث أن تطلق هذا الاسم على أي قسم من أقسامها بحيث يبقى حاضراً بيننا".
"نتمنى تقدير المؤسسة"
الصحفي مصعب الأشقر، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "كنت شاهداً من العام 2012، على البوادر الأولى لتشكيل الدفاع المدني، كانت أيام صعبة، بسبب غياب الآليات واللوجستيات والتمويل، وكان شحيحاً المنح في أعوامه الأولى، وعناصر الدفاع منذ اللحظات الأولى لتطوعهم، عاينت إيمانهم بعملهم ورسالتهم الإنسانية".
ويضيف: "مع تصعيد القصف من قبل وروسيا والنظام المخلوع، كان الإنسان في سوريا، لا يستنجد إلا بالدفاع المدني عندي أي طارئ، ولا تحضر النداءات الموجهة إلا للدفاع المدني، رغم الاستهداف المباشر لعناصر ومتطوعيه، وقدم على إثر ذلك شهداء وجرحى ومصابي حرب، إذ صمدت الفرق في وجه آلة القصف والدمار وأسعفت المصابين دون خوف أو تردد، شهدنا مواقف كثيرة خلال عمل الخوذ البيضاء وتعرضهم لقصف مزدوج خلال وجودهم في موقع القصف".
ويختم: "اليوم مع قرار حل الخوذ البيضاء نفسها وانضمامها لوزارة الطوارئ والكوارث في الحكومة السورية، نأمل أن يتم تقدير هؤلاء العناصر ودعمهم بشتى الوسائل بما يليق بهذه التضحيات والجهود على مدار سنوات الثورة السورية".
من جهته، يرى عبد الكريم العمر وهو ناشط سياسي أن "مؤسسة الخوذ البيضاء جزء أصيل من الثورة السورية، ومرتبطة بها، وكانت شاهدة على تضحياتها بمختلف مراحلها، وقرار حل المؤسسة مؤسف للغاية".
تعليقات
إرسال تعليق