بات المهاجرون والمهرّبون يحاولون التكيف مع توسع تكنولوجيا حماية الحدود المدعومة بالذكاء الاصطناعي. هل تردع المراقبة عبور الحدود الأوروبية أم أنها تدفع الطرق إلى أماكن أخرى؟ في هذه المقابلة، يستكشف الباحث والصحفي المستقل ديفيد سوبر، وهو خبير في الجريمة المنظمة وتهريب البشر وشرطة الحدود، ديناميكيات حماية الحدود ومخاطرها وعواقبها غير المقصودة.
يحاول المهاجرون والمهربون دائما التكيف مع توسع تكنولوجيا الحدود المدعومة بالذكاء الاصطناعي. فهل يردع المراقبة عمليات العبور، أم أنها تدفع بالمهاجرين إلى طرق أخرى؟ في هذه المقابلة، يستكشف الباحث والصحفي المستقل ديفيد سوبر، الخبير في شؤون الجريمة المنظمة وتهريب البشر ومراقبة الحدود، ديناميكيات إنفاذ الحدود ومخاطرها وعواقبها غير المقصودة.
مهاجر نيوز: على طول بعض حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، تم اختبار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراحل تجريبية، وكان بعضها مثيرا للجدل. ما هي ملاحظاتك حول هذه التكنولوجيا الحدودية؟
ديفيد سوبر: لاحظتُ خلال السنوات القليلة الماضية اهتماما متزايدا باستخدام تكنولوجيا الحدود من قِبل الحكومات ووكالات إنفاذ القانون وشركات الأمن الخاصة التي تُطوّر هذه التكنولوجيا لأغراض المراقبة والأمن. هناك ضجة كبيرة حول استخدام هذه التكنولوجيا في إنفاذ القانون على الحدود. مع ذلك - وبناء على ما رأيته وبحثته - يصعب البحث في التطبيق العملي لتكنولوجيا الحدود. فتطبيقها بات أكثر تفاوتا مما نظن، إذ يركّز على بؤر ساخنة محددة. ومن الصعب أيضا إظهار وبحث كيفية تطبيق مختلف التقنيات على نطاق واسع عبر الحدود والمناطق والبلدان بأكملها.
لكن الاهتمام السياسي باستخدام وتطوير المزيد من الموارد التكنولوجية لمراقبة الحدود وتسيير دورياتها لا يزال قويا كما كان دائما، وبالتالي فهناك اهتمام متزايد من الشركات الخاصة لتطوير هذه التكنولوجيا وبيعها وتحقيق أرباح منها. هناك اقتصاد كبير يعتمد على هذا المجال وسوق ضخمة للطلب عليه.
كيف يتعامل المهرّبون والمهاجرون مع المراقبة التكنولوجية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتشمل هذه التقنيات الطائرات المسيّرة والكاميرات، وكيف تكيفوا معها حتى الآن؟
يدرك المهاجرون والمهربون وجود التقنيات الجديدة، حتى وإن كانت مصممة لتكون مخفية. من خلال مقابلات أجريتها عبر عدة حدود، علمت أنهم أيضا على دراية بتفاوت انتشار هذه التقنيات، حيث يتم مراقبة بعض المناطق بشكل مكثف، بينما تكون مناطق أخرى شبه خالية من الرقابة. وبالتالي تتكيف هذه المجموعات مع التحديات التي تفرضها التكنولوجيا.
على سبيل المثال في منطقة البلقان، تم تجهيز بعض المناطق بأجهزة استشعار (للكشف عن الصوت والحركة) وطائرات مسيّرة تُستخدم لتحديد مواقع الأشخاص ومتابعة تحركاتهم في الغابات. تستغل قوات إنفاذ القانون هذه المعلومات لاعتراض المهاجرين عند معابر الطرق. لكن المهاجرين يردّون بتقنيات بسيطة، مثل الانتظار لفترة طويلة حتى يغادر حرس الحدود أو العودة إلى الوراء وإعادة المحاولة أو استخدام عدة مرشدين، بحيث يتحرك أحدهم في المقدمة لاستكشاف الطريق والتأكد من خلوه. هذه الأساليب البدائية لمواجهة المراقبة المتطورة تنجح أحيانا، وتفشل أحيانا أخرى.
إذن، هي لعبة قط وفأر بنتائج متباينة؟
نعم، وأضيف أن هذه التقنيات ليست مصممة بالضرورة لمنع الجميع من العبور، بل لزيادة مخاطر الاكتشاف والاعتقال، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالمراقبة. الهدف من ذلك ليس إيقاف التهريب الحالي تماما، بل ردع عمليات العبور المستقبلية.
هناك فرق بين الاكتشاف والمراقبة، فالاكتشاف يعني اعتراض مجموعة معينة قبل أن تعبر الحدود، بينما المراقبة تعني أن سلطات إنفاذ القانون تدرك أن هناك أشخاصا يعبرون في تلك اللحظة. من وجهة نظر أجهزة إنفاذ القانون، فإن تعزيز قدراتهم التقنية أمر منطقي، لأنهم يعتقدون أن زيادة مخاطر القبض ستؤدي إلى تأثير رادع على المهاجرين والمهرّبين.
ومع ذلك، فإن فعالية الردع ليست مدعومة بقوة من الأبحاث التجريبية. في الواقع، تشير الأبحاث إلى العكس تماما، إذ لا يبدو أن الردع يؤثر بشكل كبير على قرارات المهاجرين والمهربين. كما أن نشر التكنولوجيا مسألة تتعلق بالموارد فلا يمكن لأجهزة إنفاذ القانون نشر تقنيات حدودية متطورة في كل مكان، لأن ذلك سيكون مكلفًا للغاية، وهم يدركون أيضا أن هذا لن يمنع الجميع من العبور.

الصورة: Giannis Papanikos/AP/picture alliance
يتأقلم المهرّبون بأي وسيلة ضرورية. لكن ما هي حدودهم اللوجستية والأخلاقية؟
هناك حدود. التهريب عمل مرهق للغاية، حيث يتولى المهرّبون تنسيق العمليات من البداية إلى النهاية، وغالبا ما يكونون متاحين على مدار الساعة. عادةً لا يتقاضى المهرّبون أجورهم إلا بعد وصول المجموعة إلى وجهتها بنجاح. أي فشل، مثل فقدان أحد أفراد المجموعة، يمكن أن يؤدي إلى نزاعات مع العائلات أو عدم دفع الرسوم. وهذا الضغط يدفع العديد من المهرّبين ذوي الخبرة إلى ترك المجال، مما يخلق فجوة تملؤها مهرّبون أقل خبرة أو مجموعات إجرامية أخرى. المهرّب الأقل خبرة قد يستخدم قوارب غير آمنة، ولا يكون على دراية بكيفية تنظيم المعدات الضرورية مثل الوقود والمحركات، أو قد يفتقر إلى الخبرة في التعامل مع حالات الطوارئ.
لست متأكدا مما إذا كان هذا الأمر مقصودا، ولكن أحد التأثيرات الناجمة عن إنفاذ قوانين الحدود واستمرار لعبة القط والفأر هذه هو أنها في نهاية المطاف تستنزف المهرّبين ذوي الخبرة وتدفعهم إلى ترك المجال. ورؤية ذلك كـ "انتصار" لإنفاذ القانون هو تبسيط مفرط للواقع، لأن الفراغ الذي يتركونه سرعان ما يملؤه مهرّبون آخرون، مما يزيد من المخاطر التي يواجهها المهاجرون. كما قد تملأه مجموعات إجرامية أخرى تلجأ إلى وسائل أكثر عنفا لإدارة عمليات التهريب. انتقال عمليات التهريب من مهرّبين ذوي خبرة إلى آخرين أقل خبرة هو أحد العواقب غير المقصودة لإنفاذ الحدود، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الهشاشة وارتفاع عدد الوفيات على الحدود، دون تحقيق انخفاض فعلي في أعداد عمليات العبور غير النظامية ودون الحد من وفيات الحدود أو حالات المفقودين.
نظرًا لغياب المسارات القانونية إلى أوروبا، هل ستكون هناك دائما حاجة إلى المهرّبين؟
العديد من السياسات الحالية مصممة لردع الهجرة من خلال التركيز على تقليل "العرض" بدلاً من معالجة "الطلب". تستهدف هذه السياسات العرض عبر إجراءات مكافحة التهريب، مثل زيادة الاكتشاف وفرض عقوبات أشد وملاحقات قانونية أقوى ورفع مخاطر الاعتقال. تفترض هذه المقاربة أن الهجرة غير النظامية موجودة أساسا بسبب المهرّبين الذين يسهلونها، لكن هذا منطق معيب بشكل أساسي.
تُظهر الأدلة المستمدة من العشرين عاما الماضية أنه عندما يزداد الطلب، أي عندما يحتاج المزيد من الأشخاص إلى الهجرة، يتكيف العرض معه. يجد المهرّبون طرقا جديدة لتلبية هذا الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وزيادة المخاطر وارتفاع عدد الوفيات على طول الطرق. حتى لو انخفض عدد الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي في سنة معينة، يجب أن نسأل: كيف تعرّف أوروبا "النصر"؟ هل هو تقليل عدد الداخلين، بينما يغرق المزيد من الأشخاص عند الحدود؟
علاوة على ذلك، في البلدان المجاورة، غالبا ما يتزايد عدد المهاجرين غير المسجلين وغير النظاميين، مما يمنح هذه الدول نفوذا سياسيا. يمكّنها ذلك من ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بإحداث أزمات أو افتعالها، كما رأينا مع تركيا في عام 2021، أو مع بيلاروسيا منذ ذلك الوقت أيضا.
أصبحت الطرق أكثر طولا وأشد تشتتًا وخطورة. هل يعكس عمل التهريب ذلك؟
نعم، خاصة على الطرق الأكثر رسوخا. إذا انتشرت معلومات بأن عبور حدود معينة أصبح معقدا للغاية، فقد يدفع ذلك الناس إلى محاولة العبور من أماكن أخرى حيث يكون تطبيق الضرورات الأمنية أقل. وعند هذه النقطة، ستُعاد "اختراع العجلة" من جديد. قد تبدأ عمليات التهريب بأسعار منخفضة جدا، ولكن مع زيادة تأمين تلك الحدود مرة أخرى ترتفع الأسعار ويتم دفع الهجرة إلى طرق أخرى.

الصورة: Credit: DW
هل يهتم المهربون بالمهاجرين حقا، أم أنهم يستغلونهم في الغالب؟
من المحتمل أن يكون هناك تحيز في اختيار المهربين الذين وافقوا على التحدث إليّ، لأنهم نادرا ما اعترفوا بأنهم قساة أو عنيفون أو استغلاليون. تحدثوا عن أنفسهم كأشخاص يعملون في بيئة مليئة بالضغوط، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة، وهو ما قد يؤدي إلى مشاكل ومن ثم إلى مواجهات عنيفة حيث تكون حياتهم الخاصة في خطر.
لكن نعم، يوجد استغلال بالطبع، وهناك خطر أن يتزايد هذا الاستغلال كلما أصبح العمل أكثر سرية. ولكننا غالبا ما نخلط بين المهربين وتجار البشر. هناك فرق أساسي بين الاثنين: تجار البشر هم أولئك الذين يستغلون المهاجرين، مثلا في ليبيا، حيث يتم تعذيب الأشخاص من أجل الابتزاز ثم يتم إطلاق سراحهم على قوارب فقط بعد أن يدفع أفراد عائلاتهم وأصدقائهم المال. أما المهربون فهم يعملون أكثر كمقدمي خدمات. ليسوا متورطين في الاستغلال، وجريمتهم هي خرق حدود الدولة، وليس جريمة ضد شخص.
الآن، يوجد عنصر تهريب في استغلال الأشخاص أثناء تنقلهم. على سبيل المثال، هناك ميليشيات أو مجموعات في ليبيا تقوم باختطاف الأشخاص من أجل الفدية وتحتجزهم وتستغلهم للعمل، وتستغلهم للحصول على تعويض من عائلاتهم لإطلاق سراحهم، ثم ترسلهم على قارب إلى إيطاليا. عنصر التهريب هو جزء واحد فقط من دائرة الاستغلال الكاملة التي يشاركون فيها. لكن في العديد من المواقع الأخرى، يكون المهربون في الواقع مجرد "مسهلين" ينقلون الأشخاص من نقطة أ إلى النقطة ب، سواء بأنفسهم أو من خلال تنظيم مجموعة أو شبكة.
هل هناك أي مخاطر أخرى يواجهها المهاجرون بمجرد أن يتعمقوا في رحلتهم؟
تحدث عمليات الاحتيال طوال الوقت. من المخاطر أن تقوم بإجراء اتفاق مع شخص ثم يخبرك "اذهب وادفع المال في هذا المكتب التابع للحوالة"، ثم يختفي المال أو على سبيل المثال الاستعباد بالديون، حيث يمكنك السفر فقط لأنك تثقل نفسك بديون لمجموعة أو شخص، وأنت تعلم أنك ستضطر إلى دفع ذلك المال لاحقًا.
إضافة إلى ذلك، يُمكن أن يُقال لك معلومات خاطئة ثم تجد نفسك عالقًا، مثل أن يتم إخبارك أن عبور بيلاروسيا أو روسيا سهل، ثم تجد نفسك عالقًا.
أما بالنسبة للقاصرين غير المصحوبين، فإن أحد المخاطر هو أنه يتم التعامل مع القاصرين بشكل مختلف عن البالغين، مما يضع القاصرين في مواقف مثل اختيارهم لقيادة مجموعة أو القيام بدور الكشاف أو قيادة مجموعة. فاختيارهم ليكونوا في مواقع أكثر خطورة خلال الرحلة، بسبب الاعتقاد بأنه إذا تم القبض عليهم، ستكون المحاكمة أخف من البالغين. هذا هو الخطر الذي يواجهه العديد من القاصرين، وفي الواقع، يتضح ذلك من خلال النظام القضائي الجنائي في العديد من البلدان، حيث يتم القبض على القاصرين ثم يُقال لهم في كثير من الأحيان: "لا، أنت لست قاصرا، لا نصدقك، سنعاملك كبالغ"، ثم يُرسلون إلى السجون المخصصة للبالغين، وهكذا.
أجرى المقابلة: بنيامين باتكه
ملاحظة المحرر: أٌجريت هذه المقابلة في آب/ أغسطس 2024، وتم اختصارها وتحريرها من أجل الوضوح.
تعليقات
إرسال تعليق