"كان البابا فرانسيس هدية من الله، أرسله الله لإنقاذنا" هذا ما قاله حسن زاهدة وهو يدعو له بالشفاء قبيل تناوله الإفطار مع عائلته. وصل حسن زاهدة وعائلته إلى روما قادما من ليسبوس بمساعدة البابا فرنسيس. وتحاول العائلة بناء حياة جديدة لها في روما والاندماج في المجتع.
على مشارف روما هناك حيث تحاول العائلة اللاجئة بناء حياتها، يشارك حسن زاهدة ابنه رياض لعب كرة السلة في الفناء الصغير للشقة في الطابق السفلي قبيل موعد الإفطار.
ليس لديهم صور في موطنهم الأصلي سوريا. إذ فرت العائلة من دمشق في ذروة الحرب الأهلية، بملابس وحفاضات وحليب لطفلهم الصغيرفقط. لكن في المنزل صورة للصغير رياض وهو يلتقي بالبابا فرانسيس، الذي تكفل بإحضارهم وعائلتين مسلمتين معه إلى إيطاليا، من مخيمات اللاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية منذ ما يناهز عقدا من الزمن. "كان البابا فرانسيس هدية من الله، أرسله الله لإنقاذنا" يقول حسن زاهدة مبتسما.

"نصلي لأجله"
منذ ثلاثة أسابيع يرقد البابا فرنسيس في المشفى بسبب إصابته بالتهاب رئوي حاد. أسرة حسن زاهدة تتابع تطور حالته الصحية، وتدعو له بالشفاء العاج. "إن أقل ما يمكنهم فعله هو أن يدعوا له في صلاتهم ليلا ونهارا" يقول حسن زاهدة.
وتضيف نور عيسى (39 عاماً) زوجة حسن "ننتظر أخبارا عن صحته كل يوم. البابا رجل متواضع ومنفتح على الأعراق والأديان الأخرى".

سافرت الأسرة على متن طائرة البابا، وهي واحدة من أكثر اللحظات التي يتذكرها كثيرون عن علاقة البابا فرانسيس باللاجئين. تتذكر أسرة زاهدة كيف ربت فرانسيس بلطف على رأس رياض عندما مرّ في الممر للتحدث مع الصحفيين. لكن "المعجزة" بالنسبة لهم، هي بداية حياة جديدة في إيطاليا ما زالوا يتكيفون معها إلى اليوم.
حياة جديدة
قررت نور، عالمة الأحياء، وحسن زاهدة، المهندس المعماري الذي عمل موظفا مدنيا في دمشق، مغادرة سوريا عام 2015، بعدما تم استدعاؤه للتجنيده في جيش النظام. باعا منزلهما لدفع أجرة مهرب. سيرا على الأقدام ليلا في وسط الصحراء وفي شاحنات مختلفة انطلقت رحلة العائلة نحو أوروبا.
بعد اجتياز المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، وصلوا إلى تركيا ثم قاموا بثلاث محاولات فاشلة للوصول إلى الجزر اليونانية بالقارب قبل الوصول إلى ليسبوس في أوائل عام 2016.
تتذكر نور تلك اللحظات وتقول: "أشكر الله دائما أن ابني كان صغيرا جدا، وأنه لا يتذكر كل هذه الأشياء". على الجدران، تروي لوحات حسن وعليها وجوه بيضاء وسوداء وحمراء ذكريات الوالدين.
بعد أكثر من شهر في مخيم ليسبوس، زارت دانييلا بومبي، رئيسة قسم الهجرة والاندماج في جمعية سانت إيجيديو الخيرية الكاثوليكية الأسرة لإجراء مقابلة. لقد كانت مكلفة بإيجاد عائلات لديها أوراق مناسبة يمكن للبابا فرانسيس إحضارها معه إلى روما، وطلبت منهم اتخاذ قرار على الفور.
لم تتردد العائلة في اتخاذ القرار. لتقوم لجمعية الخيرية التي يمولها الفاتيكان بجلبهم فورا رفقة أكثر من 300 لاجئ من اليونان، و150 شخصا آخر من رحلة بابوية أخرى إلى قبرص عام 2021.

اندماج وحلم بالمستقبل
كان الهدف هو تجنيب المهاجرين رحلات أطول عن طريق البحر عبر طرق مختلفة في البحر الأبيض المتوسط. إذ تتسبب في مقتل عشرات الآلاف من طالبي اللجوء الذين كان لديهم أمل على مر السنين، حسب بومبي.
لكن الاختبار الحقيقي للعائلة كان الاندماج، فبعد أن تم البت بطلبات اللجوء، بدأت العائلة تعلم اللغة الإيطالية في المدرسة والبحث عن عمل.
إن المبادرات مثل مبادرة البابا توضح للاجئين بأن المجتمعات الجديدة على استعداد للترحيب بهم، على الرغم من الاختلافات الدينية. "لقد ناشد البابا منذ فترة طويلة للترحيب بأسرة واحدة على الأقل في كل رعية، وحثنا نحن الكاثوليك أيضا على مواجهة ما أسماه، بمصطلح قوي جدا في لامبيدوزا: "عولمة اللامبالاة". تقول بومبي.
باللهجة الإيطالية المميزة التي اكتسبوها، تحدثت الأسرة عن التحديات التي يواجهانها، كالاضطرار إلى إعادة التسجيل في الجامعة حتى يمكن الاعتراف بشهاداتهما، ومساعدة أسرتيهما في القدوم إلى أوروبا، ورعاية ابنهما.
بين العمل والدراسة تمضي العائلة معظم أوقاتها. ونادرا ما يكون لديهما الوقت للتواصل مع الأسر السورية الأخرى والمهاجرين الذين يشكلون معظم جيرانهم في المباني السكنية المتواضعة ذات الواجهة المصنوعة من الطوب وكذلك معظم زملاء رياض في الفصل.
أقرب أصدقائه ينحدر من الإكوادور، ويخطط رياض لدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الإعدادية. انضم إلى فريق كرة السلة المحلي، وفي غرفته تظهر صور كثيرة له في الملعب، ويتدلى علم سوريا كبير الحجم بجانب سريره بطابقين.

يحاول رياض تحسين لغته الانكليزية بقراءة القصص. لكن حتى لغته العربية ضعيفة رغم قضاءه الكثيرمن الوقت مع جده الذي وصل إلى روما بعد عام منوصول عائلة زاهدة.
لدى عائلة زاهدة الكثير من الأقارب في فرنسا، لكنهم يفضلون البقاء في روما من أجل مستقبل ابنهم رياض، وهم لا يفكرون بالعودة إلى سوريا. وقال زاهدة: "أتمنى دائماً أن يتمكن من ضمان مستقبله، وأن تكون له مكانة رغم كونه ابن مهاجر غير قانوني وصل إلى إيطاليا وأن يتمكن من ترك بصمة جيدة في بلده الجديد".
م.ب/ أ.ب
تعليقات
إرسال تعليق