ضغوط متزايدة على اللاجئين السوريين في أوروبا.. العمل أهون من الترحيل

ضغوط متزايدة على اللاجئين السوريين في أوروبا.. العمل أهون من الترحيل
ضغوط متزايدة على اللاجئين السوريين في أوروبا.. العمل أهون من الترحيل

 يعيش العديد من اللاجئين السوريين في أوروبا حالة من القلق والخوف المتزايد بعد سقوط الأسد، فبالرغم من أن رحيله كان لحظة فارقة وحلماً طال انتظاره، فإن الضبابية الأمنية والاقتصادية في سوريا تجعل العودة المباشرة خياراً متهوّراً ومحفوفاً بالمخاطر.

فقد الكثير من اللاجئين كل ما يملكون خلال رحلات اللجوء، واستنزفوا طاقاتهم النفسية والمادية، ما جعلهم في حالة إنهاك مستمر. في المقابل، هناك من حصل على إقامة مؤقتة في بعض الدول الأوروبية، لكنه يواجه صعوبة في التأقلم مع بيئته الجديدة، باحثاً عن فرصة عمل تضمن له الاستقرار. غير أن ما يسمعونه في وسائل الإعلام حول إمكانية الإعادة القسرية يعرقل اندماجهم ويجعلهم يقبلون بأي عمل، بغض النظر عن ظروفه.

البحث عن عمل.. ضرورة أم تهديد؟

من أبرز التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين في أوروبا هي الضغوط التي يتعرضون لها في سوق العمل. فكثير منهم يضطرون إلى العمل في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم، ويواجهون عقبات كبيرة في العثور على فرص تتناسب مع مهاراتهم. وفي بعض الحالات، لا يجدون سوى وظائف شاقة بأجور زهيدة، مثل البناء أو الزراعة أو التنظيف.

مع تزايد الحديث عن إعادة اللاجئين غير المنخرطين في سوق العمل، يسعى العديد من الشبان إلى العثور على أيّ وظيفة لضمان بقائهم، الأمر الذي يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل أرباب العمل.




يقول أحمد، لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا قبل أربع سنوات لموقع تلفزيون سوريا: "لم أحصل على إقامة دائمة حتى الآن، وأضطر حالياً للعمل في مصنع بظروف قاسية وساعات طويلة. ليس لديّ خيار آخر، فبدونه قد أفقد كل شيء وأواجه خطر الترحيل".

ويضيف بأسى: "وضعي أفضل من غيري، فهناك أصدقائي في مراكز اللجوء ممن توقّفت إجراءاتهم يعملون بأبخس الأجور في انتظار المجهول".

تعليق طلبات اللجوء يزيد من القلق

ليس بعيداً عن ألمانيا، في هولندا، تعالت أصوات شابين سوريين في العشرينيات كان يقلهما القطار ويتحدثان بصوت مرتفع:

"لقد تم تأخير طلبات اللجوء مجدداً!".

يضحك أحدهما بحزن قائلاً: "في هولندا، توقفت الإجراءات الميتة أصلاً، وأصبح على اللاجئ الانتظار لسنوات قبل أن يُنظر في طلبه".

ويتابع الآخر: "لقد أنفقنا كل ما نملك للوصول إلى أوروبا، وليتنا لم نصل".

يعيش الشابان حالة من الضياع، إذ لم يعرفا من الحياة سوى الحرب واللجوء. يتحدث علي التركية بطلاقة، بينما يحاول سامي تعلم اللغة الهولندية عبر مقاطع الفيديو على اليوتيوب، في محاولة للاندماج وإيجاد عمل يساعدهما على سداد الديون التي تراكمت عليهما في أثناء رحلة اللجوء. ومع اقتراب إصدار قوانين جديدة قد تؤثر على أوضاعهم، يجدان نفسيهما في سباق مع الزمن لإثبات وجودهما.

ووفق وكالة الاتحاد الأوروبي، كان يوجد بحلول نهاية تشرين الأول 2024 أكثر من 108 آلاف طلب لجوء مفتوح لمواطنين سوريين في أوروبا وذلك قبل اتخاذ قرار التعليق.

أعمال شاقة!

العديد من اللاجئين السوريين في أوروبا يتعرضون لاستغلال في سوق العمل بسبب ضعف معرفتهم القانونية. ويعاني عدد كبير منهم من ظروف عمل قاسية، حيث يتم استغلالهم في وظائف بأجور منخفضة، وتحت ظروف شاقة أحياناً. ومن هذه الظروف: ساعات العمل الطويلة من دون أجر مناسب، أو حتى عقود عمل غير قانونية أو مشروعة

عادل، لاجئ سوري في فرنسا لم ينجح بالحصول على فرصة عمل مُعترف بها، يوضح: "أعمل في مجال البناء، لكنني لا أتمتع بحقوق العمل الأساسية، مثل التأمين أو الضمان الاجتماعي. أعمل لساعات طويلة مقابل أجر منخفض، وإذا تحدّثت عن حقوقي، يخبرني صاحب العمل أنني في وضع غير قانوني. أنا مضطر للاستمرار في العمل، فمن دونه لن أتمكن من البقاء هنا".

يعاني العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء من استغلال مكثّف في بعض القطاعات مثل الزراعة، والمطاعم، والبناء، حيث يتم تقديم عقود عمل من دون شروط قانونية ملائمة، ويُجبر العاملون على العمل في ظروف غير آمنة أو صحية، الأمر الذي يعزز الاستغلال الاقتصادي.


اللاجئون الحاصلون على إقامة.. ضغوط إضافية

حتى السوريون الذين حصلوا على تصاريح إقامة في أوروبا لم يكونوا في مأمن من التحديات. وبالرغم من أن لديهم الحق في العمل والعيش بشكل قانوني، فإنهم يواجهون ضغوطاً نفسية واجتماعية في ظل ظروف العمل الصعبة وارتفاع معدلات البطالة فيما بينهم.

حنان، لاجئة سورية في هولندا كانت تعمل معلمة موسيقا في سوريا، تقول لموقع تلفزيون سوريا: "بعد حصولي على الإقامة المؤقتة، بدأتُ أبحث عن عمل لأنني لا أريد الاعتماد على مساعدات الدولة. لكن معظم الفرص التي أجدها لا تتناسب مع تخصصي أو خبرتي. أعيش في خوف من المستقبل والمجهول وتسيطر عليّ وعلى أسرتي فكرة الترحيل".

في حين بات بعضهم يتعاملون مع الاندماج بشكل غير جدي ولا يلتزمون بالتعليم المطلوب، على الرغم من أن إكماله شرط للحصول على الجنسية كما يؤكد يامن من هولندا أيضاً "أريد أن أعمل وأدّخر بعض المال لأستطيع البداية من الصفر في سوريا في حال تمت إعادتنا قسراً".

وأدت قرارات تعليق اللجوء والتلويح بإعادة غير المُجنسين إلى إثارة حالة من التوتر لدى أكثر من مليون سوري استقروا في أوروبا منذ اندلاع الثورة عام 2011، ويبلغ عدد السوريين الإجمالي في دول الاتحاد الأوروبي نحو مليون ونصف.

بين قيود البيروقراطية، ووحشية سوق العمل، وضبابية المصير، يبدو أن مستقبل اللاجئين السوريين في أوروبا لا يتوقف فقط على إرادتهم في العمل والاستقرار، بل على مدى استعداد الحكومات والمجتمعات لاحتضانهم وعدم المتاجرة بهم في صفقات جديدة ليس بوسع الوطن سوريا تحملها -على الأقل- في الوقت الراهن.

تعليقات