تشهد الساحة السياسية في السودان تصعيداً ملحوظاً يفاقم من أزمة الانقسام الداخلي، حيث تسعى مجموعة من القوى السياسية والمدنية بالإضافة إلى حركات مسلحة إلى تشكيل “حكومة موازية” في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”. يأتي هذا التطور في ظل استمرار النزاع المسلح الذي يعصف بالبلاد منذ حوالي 22 شهراً، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي والإنساني في السودان.
في رد فعلها على هذه الخطوة، أبدت الحكومة السودانية، التي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، معارضة قوية، مشيرة إلى أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع. من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من تأثير هذه التطورات على الأزمة الداخلية، محذرة من أن تشكيل حكومة موازية قد يزيد من الانقسامات ويعقد جهود السلام. وفي هذا السياق، أشار خبير ودبلوماسي مصري سابق إلى أن القاهرة تعتبر “مجلس السيادة” السوداني هو السلطة الرسمية المعترف بها دولياً، مما يجعل الاعتراف بأي حكومة موازية أمراً غير مرجح.
الحرب الأهلية التي اندلعت في السودان منذ منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” أدت إلى تهجير أعداد كبيرة من المواطنين، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حوالي مليون و200 ألف شخص قد فروا إلى مصر. هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعاني منها البلاد، حيث يعيش النازحون في ظروف صعبة، مما يستدعي استجابة عاجلة من المجتمع الدولي لمساعدتهم وتخفيف معاناتهم.
استعاد الجيش السوداني مؤخراً عدة مدن رئيسية كانت تحت سيطرة “قوات الدعم السريع”، وخصوصاً في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، ولكن هذا التقدم جاء بالتزامن مع جهود تشكيل “حكومة موازية” جديدة.
بدأت قوى سودانية في مشاورات للتوقيع على “وثيقة إعلان سياسي، ودستور مؤقت للحكومة الموازية” في العاصمة الكينية نيروبي، يوم الثلاثاء، بمشاركة ممثلين من “الدعم السريع”، وأحزاب مثل “الأمة” و”الاتحادي الديمقراطي (الأصل)”، بالإضافة إلى شخصيات سودانية أخرى، من بينها قائد “الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال” عبد العزيز الحلو، وعضوا “مجلس السيادة” السابقان الهادي إدريس والطاهر حجر.
استدعت وزارة الخارجية السودانية سفيرها في كينيا للتشاور، وذلك ردًا على استضافة اجتماعات حول تشكيل “حكومة موازية”. وأكدت في بيان لها يوم الخميس أنها ستتخذ “إجراءات للحفاظ على أمن السودان وحماية سيادته ووحدة أراضيه”. وقد سبق ذلك إعلان مجلس السيادة السوداني يوم الأربعاء عن “تشكيل حكومة انتقالية يرأسها شخصية تكنوقراط مستقلة عن أي جهة سياسية”.
سعت “الشرق الأوسط” للحصول على تعليقات رسمية من الجهات المصرية المعنية بشأن تحركات تشكيل “حكومة موازية” في السودان، لكن لم يتمكنوا من ذلك. بينما جاء أحدث موقف للقاهرة الداعم للسودان في بيان مشترك مصري – إسباني يوم الخميس، خلال ختام زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى مدريد، حيث أكد على “ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضي السودان، والحفاظ على مؤسساته الوطنية”. وأكد البيان أيضًا على “أهمية العمل على بدء عملية سياسية شاملة بقيادة وتمليك من القوى السياسية والمدنية السودانية، دون أي تدخلات خارجية”.
وفقًا لعضو “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، السفير صلاح حليمة، فإن “مصر تتعامل مع (مجلس السيادة) السوداني كونه النظام الرسمي الذي يمثل السودان على الساحة الدولية”، مشدداً على أن “القاهرة تعترف بالحكومة السودانية، وتستقبل رئيس (مجلس السيادة) وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان كرئيس للسلطة الحالية في السودان”.
ترأس البرهان وفد السودان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك في سبتمبر الماضي.
تستبعد حليمة “اعتراف مصر بخطوة تشكيل (حكومة موازية)”، وذكرت لـ “الشرق الأوسط” أنه “رغم عدم اكتمال تشكيل القوى والأطراف لتلك الحكومة، فإنه لا يوجد اعتراف دولي بها، سوى من بعض الأطراف الإقليمية، مثل كينيا التي تستضيف اجتماعات صياغة الإعلان السياسي لها”، مشيرة إلى أن “القاهرة تدعم مؤسسات السودان الوطنية”.
أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مرة أخرى خلال مباحثاته مع نظيره السوداني، علي يوسف الشريف، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في 14 فبراير (شباط) الحالي، على دعم بلاده للحكومة السودانية. وشدد على “موقف مصر الداعم للسودان ومؤسساته الوطنية، واهتمامها الكبير بتعزيز سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه”، وفقاً لما ذكرته “وزارة الخارجية المصرية”.
ترى حليمة أن “الحكومة الموازية” تفتقر إلى التأثير والدعم السياسي والشعبي عند مقارنتها بتفاعل السودانيين، سواء داخل البلاد أو خارجها، مع انتصارات الجيش الأخيرة. وأكدت أن “هناك إدانات ورفضًا من بعض الأحزاب والقوى السياسية السودانية تجاه هذه الحكومة”، لكنها لم تقلل من خطورتها في حال تكاملها، مشيرة إلى أن “إعلان سلطة موازية سيؤدي إلى ضرر وحدة السودان، وسيزيد من حالة الانقسام الداخلي، ويعقد الصراع على السلطة والنفوذ بين الأطراف السياسية”.
تتابع القاهرة جهود لتشكيل حكومة سودانية بديلة، في انتظار مناقشة الأوضاع مع المسؤولين في الحكومة الشرعية السودانية في أقرب جلسة محادثات، وفقًا لما ذكره القنصل المصري السابق في السودان، اللواء حاتم باشات. وقد أشار إلى أن مصر لا يمكنها إعلان موقف بشأن هذه التحركات لأنها تعتبر مسألة داخلية سودانية، بينما يبقى موقفها ثابتًا في دعم المؤسسات السودانية.
يربط باشات بين خطوة الإعلان عن تشكيل “حكومة موازية” في مناطق سيطرة “الدعم السريع” والانتصارات الأخيرة للجيش السوداني. وأوضح لـ”الشرق الأوسط” أن “تأثير الجيش أصبح أقوى على الأرض، وهو في طريقه للسيطرة الكاملة على الأراضي السودانية”، مشيراً إلى أن هذا التقدم “يحث المعارضين على البحث عن دور في السلطة بعد انتهاء الحرب”.
وحذرت الأمم المتحدة من إعلان “قوات الدعم السريع” تشكيل “حكومة موازية”. وأفاد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، يوم الأربعاء، أن هذه الخطوة “تعزز الانقسام وتؤجج الأزمة في السودان”.
تتناقض خطوة تشكيل “حكومة موازية” مع المبادئ الأساسية والثابتة في السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان، كما أوضح الباحث السوداني المقيم في القاهرة، صلاح خليل، في حديثه لـ “الشرق الأوسط”، مبيناً أن “القاهرة تسعى لإطلاق عملية سياسية شاملة تشمل جميع الأطراف السودانية، دون أي إملاءات من الخارج”.
يرى خليل أن “إنشاء حكومة موازية يتناقض مع الجهود المصرية لحل الأزمة في السودان، ومن بينها استضافة مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية العام الماضي، والذي هدف إلى توحيد الجهود ووضع خطة لإنهاء الأزمة في البلاد ووقف النزاع الداخلي”.
في يوليو الماضي، استضافت القاهرة، للمرة الأولى، الأطراف المدنية في الساحة السياسية السودانية خلال مؤتمر بعنوان “معاً لوقف الحرب”. وناقش المؤتمر ثلاثة قضايا رئيسية لإنهاء الأزمة السودانية، وهي “وقف الحرب، الإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية بعد الحرب”.
تعليقات
إرسال تعليق