في حادثة تسلط الضوء مجددا على معاناة المهاجرين غير النظاميين في شمال فرنسا، عثرت قوات الدرك الوطني الفرنسي الأربعاء الماضي على نحو أربعين مهاجرا، بينهم قاصرون، مكدسين داخل الصندوق الخلفي لمركبة صغيرة في مدينة إتابل، التابعة لمقاطعة با-دو-كاليه. وكان المهاجرون غارقين في العرق، في ظروف وصفت باللاإنسانية. وتم إلقاء القبض على شخصين متورطين بينهما سائق عراقي الجنسية.
ألقت قوات الدرك الفرنسية، الأربعاء 11 حزيران/يونيو، القبض على شخصين تورطا في عملية تهريب 40 مهاجرا في مركبة وهما سائق، عراقي الجنسية، إلى جانب مرافق له قاصر اعترف بأنه كُلّف بمهمة توجيه السائق عبر الطرقات. وقد تم العثور أيضا على سترتين للنجاة ومضختين يدويتين داخل المركبة، في إشارة إلى احتمال الاستعداد لعبور بحري لاحق.
وجاء هذا الكشف بعد أن اشتبه عناصر الدرك في المركبة التي كانت محمّلة بشكل مفرط أثناء قيامهم بدورية أمنية روتينية في أواخر الصباح. وبعد توقيف المركبة وطلب فتح الأبواب الخلفية، تبيّن أنها تحوي عشرات المهاجرين في انتظار فرصة للعبور نحو المملكة المتحدة.
وقد أدانت المحكمة الجنائية، في بولوني سور مير (Boulogne)، السائق بتهمة المساعدة في تهريب مهاجرين غير نظاميين والقيادة دون رخصة، وأصدرت بحقه حكما بالسجن لمدة 18 شهرا نافذة، مع الإبقاء عليه رهن التوقيف، إضافة إلى إصدار قرار بالطرد النهائي من الأراضي الفرنسية. كما صادرت السلطات المركبة المستخدمة في النقل، بالإضافة إلى المعدات المرتبطة بها.
وكشفت التحقيقات أن السائق، الذي يعيش في مخيم "جانغل" غير الرسمي قرب مدينة دانكيرك ( Dunkerque)، كان نفسه مرشحا للهجرة، لكنه وافق على قيادة المركبة مقابل تهريبه لاحقا إلى بريطانيا، نظراً لنفاد موارده المالية. وقد تبيّن أن رخصة قيادته غير صالحة في الأراضي الفرنسية.
دانكيرك وكاليه بؤرتان لأزمة إنسانية مزمنة
تأتي هذه الحادثة لتؤكد الوضع الإنساني المعقد في شمال فرنسا، خاصة في مناطق مثل دانكيرك وكاليه، اللتين أصبحتا ملاذا مؤقتا لآلاف المهاجرين العالقين في انتظار فرصة للعبور إلى المملكة المتحدة. يعيش هؤلاء في ظروف صعبة في مخيمات غير نظامية، وسط تضييق أمني متزايد من قبل السلطات الفرنسية وتدابير مشددة على الحدود.
وقد أعربت منظمات حقوقية، من بينها "أطباء بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش"، عن قلقها الشديد من تدهور الأوضاع في هذه المناطق، مشددة على ضرورة إيجاد حلول إنسانية تضمن الكرامة والحق في اللجوء. ودعت هذه المنظمات السلطات الفرنسية إلى وقف سياسة "تفكيك المخيمات دون بدائل"، والتي غالبا ما تدفع المهاجرين إلى سلوك طرق أكثر خطورة.

وتتواصل دائما محاولات التهريب واستغلال حاجة المهاجرين إلى الهروب والبحث عن حياة أفضل في ظل تصاعد الضغوط الأمنية وتشديد الرقابة الحدودية. فيلجأ العديد من المهاجرين إلى وسائل تهريب قاسية وغير آمنة، تكشف عن حجم اليأس الذي يدفعهم إلى المجازفة بحياتهم. حادثة العثور على عشرات المهاجرين مكدسين داخل شاحنة صغيرة في مدينة إتابل ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الوقائع التي تسلط الضوء على هشاشة أوضاعهم، وعلى التحديات المتزايدة التي تواجهها السلطات الفرنسية بين مقتضيات الأمن وضرورات الحماية الإنسانية.
وقد ازدادت محاولات الوصول إلى المملكة المتحدة عن طريق الشاحنات، إذ شهد عام 2024 وذلك من خلال رصد 5874 حالة تهريب، في موانئ كاليه ودونكيرك ونفق المانش في "كوكيل"، مقارنة بـ4794 حالة في 2023.

وتم تشديد الإجراءات الأمنية في الموانئ الفرنسية بعد رصد أكثر من 56 ألف حالة تهريب في شاحنات خلال عام 2016، وذلك في سياق إعلان الحكومة اتخاذها الخطوات اللازمة للقضاء على جميع أشكال تهريب البشر. ولكن هذا ليس كافيا لأن شبكات التهريب أصبحت تعمل بشكل ممنهج، حيث تتولى توفير القوارب والمعدات، وتجنيد السائقين، وتأمين نقاط التجمع والانطلاق.
تعليقات
إرسال تعليق