لم تعد وعود تشديد سياسات الهجرة واللجوء مجرد شعارات يزايد بها السياسيون خلال الحملات الانتخابية، بل أصبحت واقعا، بعدما بدأت الحكومة الجديدة عملها وتنفيذ وعودها الانتخابية بشأن تشديد سياسة اللجوء. لكن ماذا يقول اللاجئ المعني مباشرة بهذه القرارات؟ وما تأثيرها عليه؟
يعيش في ألمانيا حاليا عدد من اللاجئين أكثر من أي وقت مضى. ففي نهاية عام 2024، تم تسجيل حوالي 3.45 مليون أجنبي لدى السلطات كلاجئين قدموا إلى البلاد. لكن تجد الإشارة أيضا إلى أن عدد اللاجئين الجدد عام 2024، كان أقل بكثير مقارنة بالسنوات الماضية.
وتشهد أوضاع اللاجئين في ألمانيا تغييرات كبيرة نتيجة التشدد المتزايد في سياسة الهجرة للائتلاف الحكومي الجديد المكون من الحزب الاشتراكي والاتحاد المسيحي. فقد وافقت الحكومة الألمانية خلال جلستها الأسبوعية يوم الأربعاء (28 مايون/ أيار 2025)، على خطط لتقييد لمّ شمل العائلات لبعض المهاجرين وتشديد قواعد الحصول على الجنسية.
وعود صارمة تنفذ!
كان تشديد القيود على الهجرة وعدا هاما للمستشار المحافظ الجديد فريدريش ميرتس في حملته الانتخابية في شباط/فبراير 2025، وسارعت حكومته إلى فرض ضوابط على حدود البلاد بعد توليه منصبه في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت للصحافيين بعد اجتماع الحكومة يوم الأربعاء: إن الإجراءات الجديدة تُمثل "يوما حاسما" للحد من الهجرة غير النظامية. ويستمر تعليق لمّ شمل العائلات لمدة عامين، وسيؤثر على الأشخاص الذين يتمتعون بوضع "الحماية الثانوية"، وليس بحق اللجوء بموجب اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ.
وقد أكد دوبريندت أن هذه الخطوة ستساهم في "تخفيف الضغط" على المجالس المحلية المكلفة برعاية الوافدين الجدد واندماجهم.

تأثير أشد قسوة على اللاجئين!
معاناة اللاجئين أو الحاصلين على الحماية الثانوية مثل محمد، لن تبدأ اليوم، ففصولها ممتدة في الزمان بسبب العراقيل البيروقراطية في ألمانيا.
وصل محمد آواخر عام 2022 إلى البلاد مع ابنه رامان، الذي يعاني من ضمور في الدماغ، سبب له إعاقة واضحة. يحكي الشاب اللاجئ الكردي الحاصل على الحماية الثانوية والإقامة لمدة عام في حديثه لمهاجر نيوز: "عندما وصلت إلى ألمانيا سلمت نفسي للشرطة، فتم نقلي إلى مخيم مؤقت، في مدينة مونشنغلادباخ، بقيت هناك شهرh و10 أيام. بعد وصولي بـ 15 يوما، توفي ابني الثاني الذي ظل في سوريا مع والدته وشقيقته".
بعد ذلك تم نقل محمد وابنه إلى مركز لإيواء اللاجئين لمدة ستة أشهر، ومن ثم إلى هيلدن في مركز لإيواء اللاجئين في غرفة مشتركة مع شخص مريض نفسي حسب زعمه، وبعد عام قدم له صديق منزلا غادره وهو في "حالة سيئة جدا"، يعيش فيه إلى الآن.
كان الفرار إلى ألمانيا، سعيا من محمد للابتعاد عن أجواء الفوضى والأزمة التي أثرت على حياة أسرته التي يحتاج بعض أفرادها لعناية خاصة، ومحاولة منه لإنقاذ ابنه ومعالجته، ففي سوريا كان هذا الأمر غير ممكن.
يقول في مقابلته مع مهاجر نيوز: "بعد أن قدمت طلب لجوء تم استدعائي للمحكمة وهناك شرحت لهم كل الأسباب التي دفعتني للجوء. لم تتوفر لدي الإمكانيات المادية الكافية لنأتي جميعا إلى ألمانيا، لذلك جئت أنا وابني المريض. آنذاك كانت إجراءات لم الشمل تحتاج نحو عام، لكن الأمر لم يتم حتى بعد مرور ما يزيد عن عامين ونصف".
غادر محمد وأسرته سوريا عام 2014 بعد أن بدأت الحرب في كوباني، وانتقل إلى إقليم كردستان العراق، وعندما قرر القدوم إلى ألمانيا، أعاد أسرته إلى سوريا. يقول "سافرت من أربيل إلى ليبيا بالطائرة، وبقيت في ليبيا نحو شهرين، إلى أن أتيحت لي فرصة السفر إلى أوروبا عبر البحر. اخترت ألمانيا لأنه من المعرف عن ألمانيا أن عملية لم الشمل سهلة ولا تستغرق وقتا طويلا، فأصدقائي تمكنوا من جلب عائلاتهم خلال عام تقريبا".

صعوبات الحياة اليومية بدون الأسرة!
يعتني طالب اللجوء بطفله "بدون أي مساعدة من شخص آخر، لم أتمكن من دراسة اللغة أو العمل لأن الطفل يحتاج لرعاية شديدة. حياتي تحت الصفر، أنا لا أشعر بأنني أعيش في دولة أوروبية. لا أحصل على أي دعم إنساني أو حتى مراعاة إنسانية لوضعي، منذ أن قدمت إلى هنا منذ سنتين ونصف، أطلب فقط السماح لعائلتي بالوصول".
في الآن ذاته، لا يفكر محمد في مغادرة ألمانيا نحو بلد أوروبي آخر، ولا العودة إلى سوريا. ويوضح ذلك بالقول "تحملت الكثير على أمل إيجاد فرصة أفضل لعائلتي، أنتظر أن نجتمع ونحاول إنقاذ حياة هذا الطفل عوض أن يعيدوني إلى الصفر".
قرار عدم السماح للاجئين الحاصلين على حماية ثانوية باستقدام أفراد عائلاتهم إلى ألمانيا لمدة عامين مع استثناء الحالات الإنسانية الصعبة، زاد من مخاوف محمد كما كل الحاصلين على هذا النوع من الحماية، فالتشتت الأسري الذي يعانون منه يزيد من حدة المصاعب التي يعيشونها، خاصة لمن يعانون من حالات صعبة كما محمد وابنه رامان.
في عهد الحكومة السابقة كان يسمح بقدوم 1000 شخص شهريا إلى ألمانيا في إطار لم الشمل، لكن الحكومة الحالية قررت وقف هذا الأمر، وهي سياسة تهدف حسب تصريحات السياسيين إلى الحد من عوامل الجذب إلى ألمانيا، ومحاولة لإظهار أن سياسة الهجرة في البلاد قد تغيرت.
تم تعليق حق لم شمل أسر الحاصلين على الحماية الثانوية مسبقا في الفترة بين مارس/آذار 2016 حتى يوليو/تموز 2018 من قبل الائتلاف الحاكم آنذاك، وكانت الحكومة الألمانية بررت هذا الإجراء حينها بالرغبة في تجنب إرهاق قدرات الإيواء والاندماج. ومنذ أغسطس/آب 2018، صار يسمح لما مجموعه 1000 شخص شهريا بدخول ألمانيا بصفتهم من ذوي الأشخاص الحاصلين على هذا النوع من الحماية.
هذه الخطوات التشديدية ، تأتي في إطار تنفيذ أولى بنود اتفاق الائتلاف الحكومي في سياسة الهجرة واللجوء، فقد انطلق العمل في مراقبة الحدود البرية وإعادة طالبي اللجوء من هناك عند نقاط الدخول.

الكنائس والمنظمات والخبراء.. الكل ينتقد وقف لمّ الشمل!
تعارض الكنائس قرار تعليق لمّ شمل أسر اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية، وقال مفوّض شؤون اللاجئين في الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا، كريستيان شتابلاين، في تصريحات إعلامية يوم الثلاثاء (27 مايو/أيار): "الآباء والأبناء يجب أن يكونوا معا، العائلات يجب أن تجتمع".
وأوضح شتابلاين، والأسقف الكاثوليكي شتيفان هيسه، أنهما يخشيان من آثار سلبية على الاندماج في حال لم يعد لمّ الشمل ممكنًا. وجاءت هذه التصريحات قبل يوم إعداد الحكومة مشروع قانون بهذا الخصوص.
من جانبه، قال الأسقف هيسه، المسؤول عن ملف الهجرة في مؤتمر الأساقفة الألمان، إن نتيجة تعليق لمّ الشمل ستكون أن يعيش لاجئو الحروب بعيدًا عن أقرب أقربائهم لفترات طويلة. وأضاف: "هذا يؤثر سلبًا على عملية الاندماج". وأشار إلى أن الدستور الألماني يضع الأسرة تحت حماية خاصة من الدولة، ويجب أن ينطبق هذا الحق على العائلات التي تطلب الحماية أيضا.
كما انتقدت منظمات غير حكومية، مثل "برو أزويل"، هذا القرار. وقال طارق الآوس من المنظمة: "إنه إغلاق لمسارات اللجوء الآمنة"، مضيفًا: "إنه كارثة للعائلات المتضررة". وبعد طرح الحكومة مشروع القانون، ستتم مناقشته في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) والتصويت عليه.
أما بنيامين إيتسولد الباحث من مركز بون الدولي لدراسات النزاعات، فيرى أن وقف بعض طرق الوصول القانونية إلى ألمانيا مثل لم الشمل الأسري ، يؤدي إلى نتائج عكسية. ويؤكد أن هذا يمكن أن يشجع حتى الهجرة غير النظامية، التي تريد ألمانيا محاربتها.
أما بيترا بيندل الباحثة في جامعة إرلانغن نورنبرغ الألمانية، فتخشى من أن ألمانيا قد ترتكب انتهاكا قانونيا برفضها اللاجئين وإعادتهم عند الحدود. وتشير بيندل إلى الحق في اللجوء المنصوص عليه في القانون الأساسي الألماني (الدستور)، وتشير كذلك إلى القانون الأوروبي، وتقول: "عندما يتم منح السياسة الأولوية وتفضيلها على القانون، فإن هذا يفتح الباب على مصراعيه أمام التعسف".
ماجدة بوعزة
تعليقات
إرسال تعليق