الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط: "كل الخدمات التي يروج لها المهربون أكاذيب"

الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط: "كل الخدمات التي يروج لها المهربون أكاذيب"
الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط: "كل الخدمات التي يروج لها المهربون أكاذيب"


 يعتمد جميع المهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط ​​على شبكات التهريب للقيام برحلتهم نحو الحلم الأوروبي، وعادة ما يكون المهربون ليبيين أو تونسيين، ويقدمون وعودا و"ضمانات" بسلامة الرحلة، مقابل مبالغ طائلة. لكن وعلى الرغم من هذا كله، لا تزال حوادث الغرق والمآسي شائعة جدا على طرق الهجرة.

منذ عام 2014، غرق أكثر من 25 ألف مهاجر، بينهم نساء وأطفال، على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط. الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا استعانوا بمهربين لمحاولة العبور والوصول إلى الشواطئ الأوروبية. وتمسكوا جميعاً بأمل أن يكون القارب متيناً بما يكفي، وأن يكون محركه قوياً بما يكفي، وأن تكون "الضمانات" التي وعدهم بها المهربون صادقة وفعّالة.

لكن المهربين "يكذبون بشأن جميع الخدمات التي يقدمونها"، كما تشير منظمة "إس أو إس ميديتيرانيه" غير الحكومية، التي تنفذ عمليات إنقاذ للمهاجرين في البحر المتوسط، والتي أصبحت على مر السنين أول شاهد على محنتهم في البحر.

قام فريق مهاجرنيوز بتجميع قائمة بجميع الأكاذيب التي تروجها شبكات التهريب في البحر الأبيض المتوسط، وهذه أهمها:

1. المسافة إلى إيطاليا قصيرة

من الشائع أن يكذب المهربون بشأن قرب إيطاليا من ليبيا أو تونس، وهما نقطتا الانطلاق الرئيسيتان لقوارب المهاجرين.

استمعت منظمة "إس أو إس ميديتيرانيه" إلى العديد من روايات الناجين الذين يروون هذه الكذبة. وأوضحت لوسيل غينييه، مسؤولة الاتصال في المنظمة غير الحكومية، لموقع مهاجرنيوز، "يُوهم المهربون المهاجرين بأن تلك الأضواء المتلألئة في البحر البعيد هي أضواء الساحل الإيطالي. لكن الحقيقة ليست كذلك، إنها في الواقع أضواء منصات النفط (أو الغاز). من المستحيل رؤية الساحل الإيطالي"، من السواحل الأفريقية.

خريطة غوغل توضح الطريق بين تونس وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية
خريطة غوغل توضح الطريق بين تونس وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية


وتقع لامبيدوزا، وهي أقرب جزيرة إيطالية، على بُعد حوالي 300 كيلومتر من ليبيا، وحوالي 100 كيلومتر من صفاقس في تونس.

2. مبالغ مالية مقابل "ضمانات"

مقابل مبالغ مالية، يقدم المهربون للمهاجرين "ضمانات" لضمان وصولهم الآمن إلى أوروبا. وعادةً ما تكون هذه الضمانات ثابتة. يوضح كاسوم، وهو إيفواري عبر البحر الأبيض المتوسط ​​عام 2024، "على سبيل المثال، إذا كانت تكلفة العبور 500 يورو وطلب المهاجر ضمانات، فقد يرتفع السعر إلى 1000 أو 1500 يورو. هذا يعني أنه (ومقابل المبلغ المدفوع) سيستمر في محاولة العبور عدة مرات حتى يصل إلى أوروبا".

من الواضح أن "هذه الضمانات غير مجدية"، كما تشير منظمة "إس أو إس ميديتيراني". ففي البحر، قد يتعرض القارب الصغير للتلف، أو التفكك أو الغرق، أو قد يعترضه خفر السواحل (الليبي أو التونسي). ناهيك عن أن أي محاولة للعبور تعتبر محفوفة بالمخاطر، ومحاولة القيام بالرحلة عدة مرات في قوارب بدائية تزيد من خطر غرق السفينة.


3. كذبة "هاتف الأقمار الصناعية"

في واقع الأمر، يكون بعض المهاجرين مُجهّزين بهواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية، وهي أداة فعالة في أعالي البحار، فبمجرد الابتعاد عن الساحل، تنقطع الإشارة في المياه الدولية، وتنقطع إشارة الهواتف المحمولة.

أرقام الطوارئ التي يتصل بها المهاجرون المُجهّزون بهذا النوع من هواتف الأقمار الصناعية، هي أرقام خفر السواحل (196) أو هاتف الإنذار (0033486517161)، وهو منصة هاتفية تُمكّن القارب من الاتصال بالسلطات.

لا يُمكن للمهاجرين، تحت أي ظرف من الظروف، الاتصال بسفن الإغاثة الإنسانية مُباشرةً، فهم لا يملكون أرقام هواتف قباطنة هذه القوارب.

تشرح لوسيل غينييه "نتدخل لمساعدة القوارب المُستغيثة إما بعد تلقي تنبيه من هاتف الإنذار، أو من خفر السواحل الإيطالي، أو من فرونتكس (وكالة خفر السواحل الأوروبية)، التي تُرسل لنا الموقع الجغرافي للقوارب، أو من خلال مُراقبتنا الخاصة من سفينة أوشن فايكينغ، أو من خلال المُراقبة الجوية التي تُجريها طائرات الإغاثة الإنسانية مثل سي بيرد". وعلى عكس ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، ليست المنظمات غير الحكومية في البحر هي من توفر هذه الهواتف للمهاجرين، بل المهربون أنفسهم. تقول مسؤولة الاتصالات في "إس أو إس ميديتيراني"، "لا نتواصل إطلاقا مع المهربين، لا في ليبيا ولا في أي مكان آخر. كما أننا لسنا على اتصال بالمهاجرين".

عملية إنقاذ نفذتها أوشن فايكنغ فجر الجمعة 22 كانون الثاني\يناير 2021 قبالة السواحل الليبية. الصورة من حساب "أس أو أس ميديتيرانيه" على تويتر
عملية إنقاذ نفذتها أوشن فايكنغ فجر الجمعة 22 كانون الثاني\يناير 2021 قبالة السواحل الليبية. الصورة من حساب "أس أو أس ميديتيرانيه" على تويتر


يضطر المهاجرون القادرون على شراء هذه الهواتف إلى دفع مبالغ أكبر مقابل عبورهم، لكن هذا الهاتف لا يضمن لهم النجاة. توضح لوسيل غينييه أنه "أحيانا تبتل هذه الهواتف وتنكسر أثناء الرحلة. أحيانا يطلب المهاجرون المساعدة، لكن لا أحد يأتي"، مضيفة أنه "ليس من النادر رؤية هذه الهواتف" في قوارب النجاة أثناء عمليات الإنقاذ.

في آذار/مارس 2024، انجرف قارب مهاجرين في البحر لمدة سبعة أيام قبل إنقاذه. توضح لوسيل غينييه "كان لدى المهاجرين هاتف يعمل بالأقمار الصناعية، لكنه تحطم"، مات أكثر من 60 شخصا، بينهم نساء وأطفال، جوعا وعطشا على متن هذا القارب. وتم إنقاذ الناجين من قبل سفينة "أوشن فايكينغ"، تعلق غينييه "غالبا ما يستخدم حاملو هواتف GPS هذه الهواتف للاتصال بعائلاتهم على البر. وعائلاتهم هي من تُبلغ السلطات أو تُبلغ هاتف الإنذار".

4. سفن إنقاذ المنظمات غير الحكومية لا تأتي لإنقاذ المهاجرين بشكل تلقائي

يُطمئن المهربون المهاجرين بزعمهم أن سفن الإغاثة الإنسانية تنتظرهم على بُعد مسافة قصيرة من الشاطئ. لكن هذا كذبٌ واضح. يُؤكد فريق مهاجرنيوز على أن سفن الإغاثة الإنسانية لا تُبحر إلا في جزء محدود جدا من البحر الأبيض المتوسط. وجود هذه المنظمات غير الحكومية لا يضمن بأي حال من الأحوال إنقاذ المهاجرين الذين يحاولون العبور من الساحل الأفريقي.

وتمر العديد من قوارب المهاجرين دون أن يُلاحظها أحد في عرض البحر، كما تغرق العديد من القوارب الصغيرة دون أن تُرصد. ولا يزال البحر الأبيض المتوسط يعتبر ​​أخطر طرق الهجرة البحرية في العالم.

وأشار تقرير لليونيسف في 15 نيسان/أبريل إلى أن حوالي 3500 طفل لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال السنوات الـ10 الماضية، بمعدل طفل واحد يوميا، أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط ​​بين شمال أفريقيا وإيطاليا.

5. القوارب التي يوفرها المهربون "توابيت في الماء"

القوارب التي يُوفّرها المُهرّبون قبل عبور البحر الأبيض المتوسط ​​"رديئة الجودة" و"غير مُناسبة إطلاقا" لعبور أعالي البحار.

غالبا ما تكون القوارب التي تغادر من الشواطئ الليبية، مصنوعة من البلاستيك. توضح منظمة "إس أو أس ميديتيرانيه" "إنها خطيرة للغاية، يبلغ طولها حوالي 10 أمتار، وهي مصنوعة من ألواح وأنابيب مطاطية مُجمّعة باستخدام المسامير. إنها مُعرّضة للكسر أو الانكماش في أي لحظة". بعضها الآخر مصنوع من الخشب أو الألياف الزجاجية، وهو بنفس الخطورة، وتعتبر "فرص النجاة على متنها ضئيلة".

قارب خشبي راس في ميناء "نويفو بورتو" في لامبيدوزا، في الجزء المخصص لركن قوارب المهاجرين. القارب وصل قبل نحو ثلاثة أسابيع وكان على متنه أكثر من 150 مهاجرا، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2021. شريف بيبي
قارب خشبي راس في ميناء "نويفو بورتو" في لامبيدوزا، في الجزء المخصص لركن قوارب المهاجرين. القارب وصل قبل نحو ثلاثة أسابيع وكان على متنه أكثر من 150 مهاجرا، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2021. شريف بيبي


ومنذ عام 2023، بدأت قوارب تصل أيضا من الشواطئ التونسية، وخاصةً من صفاقس، وهي مصنوعة بالكامل من صفائح معدنية ولُحمت على عجل قبل الإبحار. يُطلق عليها المهاجرون اسم "القوارب الحديدية" أو "القوارب المعدنية". تشرح غينييه "إنها غير مستقرة للغاية، فمع ثقل الحمولة الزائدة، يشعر الناس وكأنهم يجلسون على سطح الماء، مع وجود خطر كبير للانقلاب. جميع هذه القوارب تؤدي إلى الموت".

وكان قد وصف كريس بوروفسكي، المتحدث باسم وكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس"، هذه القوارب بأنها "توابيت في الماء".


تعليقات