تواجه قبرص تحديًا كبيرًا يتمثل في تراكم ما يقرب من 13,000 طلب لجوء من مواطنين سوريين، وهي جزء من إجمالي أكثر من 19,000 طلب معلق لدى دائرة اللجوء اعتبارًا من مارس 2025. يعود هذا التراكم بشكل أساسي إلى قرار الحكومة القبرصية في أبريل 2024 بتعليق فحص طلبات اللجوء السورية.
يُعد هذا التعليق خيارًا سياسيًا متعمدًا، مدفوعًا بتصور قبرص بأنها تتحمل عبئًا غير متناسب من طالبي اللجوء مقارنةً بعدد سكانها. كما أن هناك سردية حكومية بأن هناك "إساءة استخدام" لنظام اللجوء من قبل أفراد يسعون لفرص عمل بدلاً من الحماية. ويتفاقم الوضع بسبب تصاعد المشاعر المعادية للهجرة ، بالإضافة إلى تحديات تشغيلية قائمة داخل نظام معالجة اللجوء، مما يؤدي إلى متوسط مدة فحص يتجاوز 20 شهرًا.
بالنسبة لعام 2025، تركز قبرص بشكل مكثف على عمليات العودة، لا سيما من خلال "برنامج العودة الطوعية" الجديد الذي يقدم حوافز مالية وتصاريح عمل مؤقتة للسوريين الذين يسحبون طلبات لجوئهم. وبينما يؤكد المسؤولون القبارصة أن سوريا تشهد انتقالًا نحو الوضع الطبيعي، تحذر الهيئات الدولية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمات حقوق الإنسان من أن الظروف في سوريا لا تزال غير آمنة لعودة واسعة النطاق وكريمة. إن تنفيذ ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء، على الرغم من أنه يهدف إلى التضامن، إلا أنه قد يؤدي أيضًا إلى إضفاء الطابع الرسمي على تدابير حدودية أكثر صرامة وإجراءات معجلة قد تؤثر سلبًا على حقوق الإنسان. من المتوقع أن يستمر التراكم، مع بقاء التركيز على الردع والعودة بدلاً من المعالجة الشاملة.
مقدمة: سياق طالبي اللجوء السوريين في قبرص
تُعد قبرص، كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي تقع في الخط الأمامي للمسارات الهجرية، في موقع جغرافي وسياسي فريد يؤثر بشكل كبير على سياساتها المتعلقة باللجوء والهجرة. هذا الموقع يجعلها نقطة وصول رئيسية للعديد من الأفراد الفارين من النزاعات والاضطرابات في المنطقة.
موقع قبرص الفريد كدولة أوروبية في الخط الأمامي للهجرة
لطالما استقبلت قبرص، لسنوات عديدة، أعلى عدد من طالبي اللجوء نسبةً إلى عدد سكانها داخل الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2023، سجلت قبرص حوالي 13,000 طلب لجوء لكل مليون نسمة، وهو ما يمثل أعلى معدل في الاتحاد الأوروبي. هذا المعدل المرتفع، بغض النظر عن الأعداد المطلقة التي قد تكون أقل مقارنة بالدول الأوروبية الكبرى، يغذي السرد السياسي للأزمة داخل قبرص. إن تصور الحكومة القبرصية بأنها تتحمل عبئًا غير متناسب يمنحها مبررًا سياسيًا قويًا لتبرير سياساتها المتشددة أمام جمهورها المحلي، ويسهل عليها المطالبة بتضامن أكبر من الاتحاد الأوروبي. هذا الوضع يشكل الأساس الذي تُبنى عليه العديد من التدابير التقييدية الحالية.
السياق التاريخي للهجرة السورية إلى قبرص
يشكل المواطنون السوريون تاريخيًا جزءًا كبيرًا من طالبي اللجوء في قبرص. ففي عام 2017، شكلوا 40% من إجمالي الطلبات ، وظلوا يمثلون أكبر مجموعة من طالبي اللجوء حتى وقت قريب. وقد جاءت معظم الوافدين عن طريق القوارب إلى قبرص من لبنان، وكان معظمهم من السوريين. هذا التحول في نقطة الانطلاق، من سوريا مباشرة إلى لبنان كنقطة عبور، يشير إلى أن الهجرة ليست دائمًا هروبًا مباشرًا من الصراع في سوريا، بل هي أيضًا حركة ثانوية مدفوعة بتدهور الظروف الاقتصادية، وتخفيضات المساعدات، والمشاعر المعادية للاجئين في دول اللجوء الأولى في المنطقة. هذا التعقيد في دوافع الهجرة يسمح للسلطات القبرصية بتأطير بعض هذه الحالات على أنها "هجرة اقتصادية" بدلاً من "لجوء قائم على الاضطهاد" ، حتى لو كانت الأسباب الجذرية لا تزال مرتبطة بالأزمة السورية.
حجم تراكم طلبات اللجوء السورية البالغ 13,000
اعتبارًا من مارس 2025، كان هناك ما يقرب من 19,168 طلب لجوء معلقًا لدى دائرة اللجوء في قبرص. ومن بين هذا العدد الإجمالي، صرح نائب وزير الهجرة القبرصي، نيكولاس يوانيدس، أن 13,000 طلب منها تخص مواطنين سوريين. وفي نهاية عام 2024، بلغ عدد القرارات الأولية المعلقة 20,576 قرارًا، بالإضافة إلى 6,986 قرارًا معلقًا في المرحلة الثانية من الاستئناف. إن هذا التوافق في الأرقام، حيث يشكل السوريون الغالبية العظمى من الحالات المعلقة، يسلط الضوء على أن سياسة التعليق كان لها تأثير مستهدف بشكل غير متناسب على هذه الجنسية بالذات. هذا يشير إلى أن الوضع ليس مجرد خلل عام في نظام المعالجة، بل هو نتيجة لسياسة محددة تستهدف السوريين.
أسباب تعليق وتراكم طلبات اللجوء السورية
تتعدد الأسباب وراء تعليق وفحص طلبات اللجوء السورية في قبرص، وتتراوح بين القرارات السياسية الحكومية والتحديات النظامية التي تواجه عملية اللجوء.
سياسة الحكومة القبرصية ومنطقها
تُعد السياسة الحكومية هي المحرك الأساسي لتعليق طلبات اللجوء السورية، مدفوعة بمنطق يركز على إدارة تدفقات الهجرة وتقليل العبء المتصور.
التعليق الرسمي لفحص طلبات اللجوء السورية
في أبريل 2024، أعلنت الحكومة القبرصية رسميًا تعليق فحص طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين السوريين. وظل هذا التعليق ساري المفعول في بداية عام 2025. هذا القرار لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه تعليق مماثل بين عامي 2021 و2023 ، مما يشير إلى نمط متكرر في تعامل قبرص مع طلبات اللجوء السورية. إن إعادة فرض التعليق بعد فترة توقف سابقة يدل على تفضيل قبرص لتدابير شاملة تستند إلى الجنسية لإدارة ضغوط الهجرة المتصورة، بدلاً من معالجة أوجه القصور النظامية في الفحص أو تقييم طلبات اللجوء الفردية على أساس الجدارة. هذا النهج يعكس استجابة رد فعلية وليست استراتيجية استباقية لإدارة الهجرة.
التصريحات الرسمية حول "إساءة استخدام" نظام اللجوء والهجرة الاقتصادية
صرح نائب وزير الهجرة القبرصي، نيكولاس يوانيدس، بوضوح أن الجمهورية "لن تتسامح مع إساءة استخدام نظام اللجوء من قبل الأشخاص غير المؤهلين للجوء أو الحماية الدولية والذين يأتون إلى هنا للعمل فقط". وقد ذكر يوانيدس أن معظم طالبي اللجوء السوريين هم من المسلمين السنة، وأنهم لم يعودوا يتعرضون للاضطهاد كما كانوا تحت حكومة الرئيس السابق بشار الأسد. هذا التصريح يكشف عن محاولة واضحة لإعادة تأطير الدوافع وراء وصول السوريين إلى قبرص، من كونها دوافع حماية إلى دوافع اقتصادية بحتة. هذا التأطير يخدم هدف الحكومة في تبرير سياسات الردع والتعليق، ويقلل من التزاماتها بموجب القانون الدولي للاجئين، مما يسهل عليها رفض الطلبات أو تشجيع العودة.
العبء المتصور والضغط السياسي
تعتبر قبرص نفسها تحت ضغط هائل بسبب العدد الكبير من طالبي اللجوء نسبةً إلى عدد سكانها. وقد استغل القادة السياسيون في قبرص الزيادة في أعداد السوريين الوافدين عن طريق القوارب لإثارة شعور بالأزمة والتهديد. وقد استخدم هذا السرد لتبرير تنفيذ سياسات الهجرة التي تنتهك حقوق الإنسان. إن هذا الخطاب السياسي، الذي يركز على "حالة الأزمة الخطيرة" ، يهدف إلى حشد الدعم الداخلي للتدابير المتشددة والضغط على الاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة أو تقاسم الأعباء. وقد أدت هذه المشاعر المعادية للهجرة أحيانًا إلى أعمال عنف، مثل الهجمات على أعمال اللاجئين. هذه البيئة السياسية والاجتماعية المتوترة تزيد من الضغط على الحكومة لتبني سياسات أكثر صرامة، مما يؤثر سلبًا على معالجة طلبات اللجوء.
الجهود لإعادة تعريف وضع سوريا كدولة آمنة
تدفع قبرص بقوة نحو إعادة تقييم وضع سوريا كدولة آمنة، لا سيما بعد الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024. يرى المسؤولون القبارصة في هذا التغيير فرصة لتعزيز عمليات العودة، مؤكدين أن البلاد "تمر بفترة انتقالية حرجة" وأن نجاح إعادة الإعمار يعتمد على عودة السوريين. هذا الموقف يهدف إلى إزالة العقبات القانونية أمام ترحيل السوريين، وبالتالي تقليل عدد طالبي اللجوء على أراضيها. ومع ذلك، فإن هذا التصور يتناقض مع تحذيرات منظمات حقوق الإنسان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تؤكد أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين على نطاق واسع.
التحديات النظامية والتشغيلية
بالإضافة إلى الدوافع السياسية، تساهم التحديات الهيكلية والتشغيلية داخل نظام اللجوء القبرصي في تفاقم مشكلة التراكم.
تأخيرات المعالجة وإدارة التراكم
تُظهر التقارير أن إجراءات فحص طلبات اللجوء في قبرص تستغرق وقتًا طويلاً، بمتوسط مدة فحص يتجاوز 20 شهرًا. وفي نهاية عام 2024، كان هناك حوالي 20,500 طلب معلق في دائرة اللجوء و6,900 استئناف معلق في المحكمة الإدارية للحماية الدولية. على الرغم من الجهود المبذولة، مثل خطة التشغيل مع المكتب الأوروبي لدعم اللجوء (EASO) لتقليل التراكم وتعزيز القدرة ، إلا أن هذه التحديات لا تزال قائمة. إن عدم كفاءة النظام في معالجة الطلبات بسرعة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من طالبي اللجوء في طي النسيان القانوني لفترات طويلة، مما يزيد من الضغط على الموارد ويؤثر سلبًا على الأفراد.
ظروف الاستقبال والاحتجاز
تظل معايير الاستقبال في قبرص دون المستويات الكافية. على الرغم من بعض التحسينات في مراكز الاستقبال خلال عامي 2023 و2024، إلا أن القدرة الاستيعابية لا تزال منخفضة، مما يجبر غالبية طالبي اللجوء على العيش في المجتمع، غالبًا في ظروف سيئة للغاية. على سبيل المثال، يواجه طالبو اللجوء في مركز الاستقبال الأول في بورنارا قيودًا على حريتهم في التنقل على الرغم من عدم وجود أساس قانوني لذلك. كما أن ظروف الاحتجاز في مراكز الشرطة والمطارات دون المستوى المطلوب. هذه الظروف القاسية لا تزيد فقط من معاناة طالبي اللجوء، بل تعمل أيضًا كعامل ردع غير مباشر، مما يتماشى مع سياسة الحكومة لتقليل عدد الوافدين.
الوصول إلى الحقوق والاندماج
تُعد فرص الاندماج في قبرص نقطة ضعف كبيرة في نظام اللجوء. فبعد فترة خمس سنوات كان يُسمح فيها لطالبي اللجوء بالوصول إلى سوق العمل بعد شهر واحد من تقديم الطلب، تم تمديد هذه الفترة إلى تسعة أشهر في أكتوبر 2023. وقد أعربت جمعيات أصحاب العمل عن قلقها بشأن تأثير هذا الحظر على قدرة الشركات على تلبية احتياجاتها من الموظفين. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت لوائح التجنيس أكثر صرامة في عام 2023، مما جعل من الصعب للغاية على المستفيدين من الحماية الدولية، بمن فيهم من ولدوا أو نشأوا في قبرص، تلبية متطلبات التقدم بطلب للحصول على الجنسية. هذه القيود، إلى جانب عدم كفاية المساعدات المالية ، تخلق بيئة غير مستقرة لطالبي اللجوء، مما يزيد من صعوبة استقرارهم واندماجهم في المجتمع القبرصي.
التحديات القانونية وعمليات الإعادة القسرية
هناك تقارير متعددة عن اعتراض السلطات القبرصية لقوارب تحمل أشخاصًا يرغبون في طلب اللجوء، ثم إعادتهم قسرًا نحو لبنان، حيث يواجهون خطر الإعادة القسرية إلى سوريا. وفي أكتوبر 2024، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن قبرص انتهكت حقوق اثنين من طالبي اللجوء السوريين بإعادتهما بشكل موجز إلى لبنان دون تقييم مناسب لطلبات لجوئهما أو المخاطر التي قد يواجهانها. وقد وجدت المحكمة أن هذا يمثل طردًا جماعيًا يفتقر إلى المعالجة الفردية والضمانات القانونية. علاوة على ذلك، تم تقييد عملية الاستئناف لقرارات اللجوء، حيث أصبح بإمكان طالبي اللجوء تقديم استئناف واحد فقط بدلاً من ثلاثة في السابق. هذه التغييرات القانونية، إلى جانب ممارسات الإعادة القسرية، تثير مخاوف جدية بشأن امتثال قبرص لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللجوء.
التوقعات لعام 2025
من المتوقع أن يشهد عام 2025 استمرارًا للسياسات الحالية في قبرص، مع تركيز متزايد على عمليات العودة وتأثيرات ميثاق الهجرة واللجوء الجديد للاتحاد الأوروبي.
التركيز المستمر على العودة وإعادة التوطين
تُعد العودة الطوعية وإعادة التوطين محورًا رئيسيًا للسياسة القبرصية في عام 2025، خاصة بعد التطورات في سوريا.
برنامج العودة الطوعية
أطلقت قبرص في مايو 2025 برنامجًا جديدًا للعودة الطوعية يستهدف العائلات السورية، مع فتح باب التقديم من 2 يونيو إلى 31 أغسطس 2025. يتضمن البرنامج حوافز مالية، حيث تحصل العائلات الراغبة في العودة طواعية على مبلغ 2,000 يورو للبالغ الواحد و1,000 يورو لكل طفل. بالإضافة إلى ذلك، يُمنح المعيل الرئيسي للأسرة (الأب أو الأم) تصريح إقامة وعمل خاصًا يسمح له بالبقاء في قبرص لمدة سنتين مع إمكانية التمديد لسنة أخرى. الشرط الأساسي للتأهل للبرنامج هو أن يتنازل المستفيدون عن طلبات لجوئهم أو يتنازلوا عن وضع الحماية الدولية الممنوح لهم قبل 31 ديسمبر 2024. هذا البرنامج يهدف إلى تقليل عدد السوريين المقيمين في قبرص ويُقدم كدعم لإعادة بناء الحياة في سوريا. ومع ذلك، فإن هذا النهج يثير تساؤلات حول طوعية العودة، خاصةً عندما تكون الخيارات الأخرى محدودة، وحول مدى أمان الظروف في سوريا.
الوضع في سوريا بعد الأسد وجدوى العودة
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى عودة حوالي 400,000 سوري من الدول المجاورة بحلول أبريل 2025. وتتوقع المفوضية أن يصل عدد العائدين إلى 1.5 مليون بحلول نهاية عام 2025. ومع ذلك، تحذر المفوضية ومنظمات حقوق الإنسان باستمرار من أن الظروف في سوريا لا تزال غير مواتية لعودة واسعة النطاق وكريمة. لا يزال هناك انعدام للأمن، ونقص في فرص كسب العيش، ودمار واسع النطاق للبنية التحتية والمساكن. كما أن الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة، لا يزال محدودًا للغاية في العديد من المناطق. هذه التحديات تجعل العودة المستدامة صعبة، وتُعرض العائدين لخطر النزوح مرة أخرى إذا لم يتم توفير الدعم الكافي.
الاتفاقيات الثنائية وعمليات الإعادة القسرية
لدى قبرص اتفاقيات قائمة مع سوريا ولبنان لإعادة المهاجرين. وقد تم بالفعل إعادة قوارب تحمل سوريين إلى سوريا بموجب اتفاقية ثنائية للبحث والإنقاذ بين قبرص وسوريا. ومع ذلك، تواصل وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والهيئات الأوروبية لحقوق الإنسان حث قبرص على التوقف عن عمليات الإعادة القسرية للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الجزيرة عن طريق القوارب. هذه الممارسات، التي أثارت إدانات من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، من المرجح أن تستمر، مما يثير مخاوف مستمرة بشأن الامتثال للقانون الدولي.
تأثير ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء
من المتوقع أن يؤثر ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء، الذي تم اعتماده في أبريل 2024، على سياسات قبرص في عام 2025 وما بعده.
آلية التضامن وتقاسم الأعباء
يقدم الميثاق آلية تضامن ملزمة ولكن مرنة، تُلزم الدول الأعضاء بتقديم مساهمات في شكل إعادة توطين أو مساهمات مالية أو مساهمات عينية. يهدف هذا إلى معالجة التوزيع غير العادل للمسؤولية عن طالبي اللجوء بموجب نظام دبلن. ومع ذلك، يرى النقاد أن الميثاق قد يزيد الضغط على الدول الحدودية مثل قبرص، حيث أن قواعد المسؤولية التي تضع العبء الأكبر على دولة الدخول الأولى لا تزال قائمة. هذا يعني أن قبرص قد تظل تواجه تحديًا كبيرًا في إدارة تدفقات الهجرة، حتى مع وجود آلية التضامن.
الإجراءات المعجلة وضوابط الحدود
ينص الميثاق الجديد على إجراءات فحص واحتجاز واسعة النطاق عند الحدود، مع توجيه فئات معينة من طالبي اللجوء إلى إجراءات لجوء سريعة. يمكن احتجاز طالبي اللجوء في منشآت مغلقة عند الحدود لمدة تصل إلى 12 أسبوعًا أثناء تقييم طلباتهم، وقد يتم احتجازهم لمدة 12 أسبوعًا إضافية إذا رُفضت طلباتهم. خلال هذه الفترة، يُعتبر طالبو اللجوء قانونيًا غير موجودين على أراضي الاتحاد الأوروبي، على الرغم من وجودهم الفعلي، مما يزيد من خطر حرمانهم من الوصول إلى الحقوق والخدمات. هذه الإجراءات، التي تهدف إلى تسريع البت في الطلبات وتسهيل عمليات العودة، قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في الاحتجاز وتحديات لحقوق الإنسان، خاصةً مع تقييد الوصول إلى المشورة القانونية والطعون الفعالة.
موقف قبرص ضمن إطار الاتحاد الأوروبي
تُعد قبرص من الدول التي تدعم تشديد سياسات الهجرة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وتدفع من أجل مراجعة مفهوم "الدولة الثالثة الآمنة" بحيث تقتصر الاعتبارات على المخاوف الأمنية فقط، وليس الرغبات الفردية للبقاء في الاتحاد الأوروبي. هذا الموقف يتماشى مع تركيز قبرص على الردع والعودة، ويسعى إلى استخدام إطار الميثاق لتعزيز قدرتها على إدارة تدفقات الهجرة وتقليل عدد طالبي اللجوء على أراضيها.
التدقيق الإنساني والقانوني
من المتوقع أن يستمر التدقيق من قبل المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان على سياسات قبرص المتعلقة باللجوء.
التحذيرات المستمرة من منظمات حقوق الإنسان
تواصل منظمات حقوق الإنسان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إصدار تحذيرات بشأن ممارسات قبرص، بما في ذلك عمليات الإعادة القسرية، وظروف الاحتجاز، وعدم أمان العودة إلى سوريا. تُعد هذه التحذيرات حاسمة في تسليط الضوء على الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي وتذكير قبرص بالتزاماتها. على الرغم من أن قبرص تنفي ارتكاب أي عمليات إبعاد قسري وفقًا لتعريفها ، إلا أن الأدلة والقرارات القضائية تشير إلى خلاف ذلك.
ضعف طالبي اللجوء
تظل الفئات الضعيفة من طالبي اللجوء، مثل الأطفال (سواء المصحوبين أو غير المصحوبين/المنفصلين) والنساء، عرضة بشكل خاص للمخاطر. هناك ثغرات في حماية القُصّر، لا سيما في مركز بورنارا للاستقبال الأول وفي بعض ملاجئ الأطفال غير المصحوبين. يفتقر الأطفال إلى الوصاية الكافية، مما يعرضهم لمخاطر الاتجار والاستغلال الجنسي أو العمالي. كما أن برنامج العودة الطوعية يستهدف النساء والأطفال بشكل خاص، مما يثير مخاوف بشأن انتهاك مصلحة الأطفال الفضلى ووضعهم في مواقف محفوفة بالمخاطر دون تقييم مناسب للظروف التي سيعودون إليها.
توقعات لطلبات اللجوء السورية الـ 13,000
بالنظر إلى العوامل المذكورة أعلاه، يمكن استخلاص بعض التوقعات حول مصير طلبات اللجوء السورية الـ 13,000 المعلقة في عام 2025.
النتائج المحتملة
من المرجح أن يظل جزء كبير من هذه الطلبات معلقًا بسبب استمرار تعليق الفحص. أما الطلبات التي يتم فحصها، فمن المتوقع أن تواجه معدلات اعتراف منخفضة، لا سيما مع سعي السلطات القبرصية لإعادة تعريف وضع سوريا. من المرجح أن يتم دفع عدد كبير من طالبي اللجوء للمشاركة في برنامج العودة الطوعية، إما بسبب الحوافز المالية أو نتيجة للظروف المعيشية الصعبة ونقص فرص الاندماج في قبرص.
العوامل المؤثرة على القرارات
ستتأثر القرارات المتعلقة بهذه الطلبات بشكل كبير بالإرادة السياسية للحكومة القبرصية، ومدى الضغط الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي للامتثال لمعايير حقوق الإنسان، والتطورات الفعلية في الوضع الأمني والإنساني داخل سوريا. أي تحسن ملموس في سوريا قد يعزز حجج قبرص للعودة، بينما استمرار عدم الاستقرار سيقوي حجج منظمات حقوق الإنسان ضد العودة القسرية.
الاتجاه العام
الاتجاه العام لعام 2025 يشير إلى استمرار الضغط على السوريين للعودة إلى بلادهم، مع وصول محدود للوافدين الجدد بسبب تشديد الرقابة الحدودية. أما معالجة الطلبات القائمة فستكون بطيئة ومثيرة للجدل، مع استمرار التحديات القانونية والإنسانية. من غير المرجح أن يتم "الإفراج" عن جميع الطلبات المعلقة في عام 2025، بل سيتم التعامل معها ضمن إطار السياسات التي تركز على الردع والعودة.
الخاتمة
تُعد قضية طلبات اللجوء السورية المعلقة في قبرص، والتي يبلغ عددها 13,000 طلب، تجسيدًا للتوترات المعقدة بين السيادة الوطنية، والتزامات القانون الدولي، والضغوط الجيوسياسية، والاعتبارات الإنسانية. إن تعليق فحص هذه الطلبات، المدفوع بتصور قبرص لعبء غير متناسب وبسردية "إساءة استخدام" نظام اللجوء، يعكس خيارًا سياسيًا متعمدًا يهدف إلى إدارة تدفقات الهجرة وتقليل عدد طالبي اللجوء على أراضيها.
على الرغم من جهود قبرص لتعزيز العودة الطوعية، بما في ذلك تقديم حوافز مالية وتصاريح عمل مؤقتة، فإن التحديات الهيكلية في نظام اللجوء، مثل تأخيرات المعالجة وظروف الاستقبال غير الملائمة، تساهم في تفاقم الوضع. كما أن التحذيرات المستمرة من المنظمات الدولية بشأن عدم أمان العودة إلى سوريا، إلى جانب أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد ممارسات الإعادة القسرية، تسلط الضوء على المخاطر الإنسانية والقانونية الكبيرة المرتبطة بالسياسات الحالية.
بالنسبة لعام 2025، من المتوقع أن يستمر التركيز على عمليات العودة، مدعومًا بآلية التضامن ومبادئ الإجراءات المعجلة ضمن ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء. ومع ذلك، فإن هذا الإطار الجديد يثير أيضًا مخاوف بشأن حقوق الإنسان، خاصةً مع زيادة الاحتجاز وتقييد الوصول إلى الإجراءات القانونية. من المرجح أن يظل مصير طلبات اللجوء السورية الـ 13,000 محصورًا بين التعليق، والدفع نحو العودة الطوعية، والمعالجة البطيئة مع معدلات اعتراف منخفضة. ستظل قبرص تحت تدقيق إنساني وقانوني مكثف، مما يتطلب توازنًا دقيقًا بين إدارة الهجرة والالتزام بالمعايير الدولية لحماية اللاجئين.
تعليقات
إرسال تعليق