من أوروبا إلى سوريا...سوريون يعودون لبلدهم ماهي الأسباب والفرص المتاحة؟

من أوروبا إلى سوريا...سوريون يعودون لبلدهم ماهي الأسباب والفرص المتاحة؟
من أوروبا إلى سوريا...سوريون يعودون لبلدهم ماهي الأسباب والفرص المتاحة؟

 ستة أشهر ‏مضت على تحرير سوريا من نظام الأسد. بعد نهب خيرات البلاد وتركها مدمرة كإرث ثقيل على عاتق الحكومة الجديدة. من موقع مهاجر نيوز يوضح سوريون أسباب قبولهم العيش في ظلِ بنية تحتية ضعيفة والإكتفاء بقليل من الكهرباء والمياه بدلا من البقاء في نعيم الاتحاد الاوربي حيث تتوفرعلى أكمل وجه سبل العيش والعمل الأساسيين.

قررت أنا كاتب هذا المقال العودة والعيش في سوريا. عندما تجولت في شوارع دمشق بعد 13 عاماً جلست أفكر بإحدى الجمل التي سمعتها كثيراً، "حان الوقت لِنفض غبار الحرب والبدء بالبناء". هذه الجملة ‏تركت أثراً عميقاً داخلي بالإضافة إلى أنني كنت (اكتفيت من ترف السياسين الأوروبين) والنهج السياسي المعادي للأجانب في ألمانيا. فأخذت قراري بالعودة إلى سوريا. 

وفي الحقيقة ‏لم يكن قرارا سهلاً بالنسبة لي حيث أشعر أن ألمانيا وبالأخص برلين وطني أيضًا، فقد عشت هناك لمدة عشر سنوات. درست ومارست مهنة الصحافة السياسية وتخصصت في إعداد التقارير الصحفية عن السياسة المحلية والخارجية وخصوصا عن الحرب في سوريا حينها. ولكن على مدى السنوات الأربع الماضية، وخاصة منذ أن أصبح فريدريش ميرتس رئيسًا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ازداد شعوري بأنني لم أعد أنتمي إلى هناك. فخطابه الشعبوي البغيض يؤثر عليّ، رغم أنني ألماني وألمانيا بلدي وجزء من قلبي. والذي زاد الأمر سوءاً أكثر من نصف الألمان صوتوا لسياسات معادية للأجانب. لذا فضَّلت سوريا حيث تأتي الكهرباء مدة قصيرة والخدمات محدودة بدلاً من تَحمُّل سياسة الكراهية شبه اليومية ضد اللاجئين والمسلمين.

من وجهة نظري عندما يتعلق الموضوع بالكرامة أفضل أن أعيش في بلد مدمر بدل من العيش في بلد لا يحترم فيه السياسيين الأجانب بشكل عام وإنجازات السوريين الذين عملوا واجتهدوا في ألمانيا بشكل خاص. أدرك جيداً أن اختياري لهذه الكلمات هو حكم قاسٍ على وطني الثاني ألمانيا، لكنني لا أرى طريقة أخرى لوصف الوضع بشكل مناسب. 

أنا على يقين أن ما قمت به ليس ممكناً للجميع. فسوريا بلد جريح دمرت الحرب فيها الحجر والبشر. ففي سوريا تتراوح إيجارات ماتبقى الشقق السكنية بين 100 و1000 يورو. ولا يزال الآلاف من السوريين يعيشون في مخيمات اللاجئين. كما أن الوضع الاقتصادي غير مستقر حتى الآن. وطريقنا إلى سوريا الجديدة لا يزال طويلاً. لذا فأنا لا أدين أي شخص يقررغير ذلك - أو ليس لديه خيار على الإطلاق.

 محمد ربيع صحفي سوري ألماني غادر المانيا للعيش والعمل في سوريا
محمد ربيع صحفي سوري ألماني غادر المانيا للعيش والعمل في سوريا


بالنسبة لي، لم أستطع البقاء في ألمانيا ومراقبة الأحداث من بعيد. فأنا أريد أن أشارك في الأحداث، أريد أن أقدم لبلدي الدعم الذي يحتاجه الآن. ولكن بالمقابل الفرق الجوهري في الداخل السوري اليوم هو أن الشعب هو محور الأمور وليس الحكام – وهذا تطور إيجابي جداً من وجهة نظري.

"سئمت من النظام الضريبي"

في دمشق تحدثت منذ يومين مع شباب سوريين أخذوا قرار العودة الى دمشق، أحدهم هو الشاب السوري جلال الذي عاد منذ أسبوعين إلى سوريا. ويقول: "لقد قضيت 10 سنوات من عمري في ألمانيا بالعمل وكنت مثابرا في عملي ومع ذلك لم أحصل على ما حصل عليه غيري. إذا إنني حاصل فقط على الحماية الثانوية ولم أحصل على إقامة دائمة أو الجنسية الألمانية. كما أنني سئمت من النظام الضريبي في ألمانيا فأنا رجل يقوم بأعمال حرة وأدفع ما يقارب 40% ضرائب أي الدولة تقاسمني تقريبا نصف الدخل الذي أعمل بكل جد لأحصَل عليه. عندما أصبح لدي خيار ثاني وهو وطني الأم سوريا لم أتوانى وقررت العودة والعيش والعمل في دمشق." 

من ناحية قانونية خالف جلال بعودته إلى وطنه الأم سوريا دون إبلاغ أوموافقة السلطات الألمانية الشروط الأساسية والتي على أساسها حصل على لجوء في ألمانيا. وهذا ما يؤكده المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللجوء (بامف/BAMF) لمهاجر نيوز "يمكن أن تؤدي الرحلة غير المصرح بها إلى بلد المنشأ إلى إلغاء طلب الحماية الممنوح سابقًا. وبمجرد أن يصبح المكتب الاتحادي على علم بحالة يمكن أن تؤدي إلى إلغاء الحماية، يقوم المكتب الاتحادي بإنشاء ملف إلغاء الحماية لتوثيق العملية." ولكن "بالنسبة لسوريا كبلد منشأ، لا يزال هناك حاليًا تعليق مؤقت للإجراءات، أي أن الإجراءات لا تتم معالجتها حاليًا."

البعض استفاد من برنامج العودة الطوعية إلى سوريا حيث يتلقى العائدون نفقات السفر والدعم المالي للرحلة ومنحة مالية لمرة واحدة لبدايتهم الجديدة في الوطن الأم. ولكن "في حالة العودة إلى ألمانيا أو عدم مغادرة البلاد، يمكن استرداد الدعم الممنوح." حسب ما صرح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لمهاجر نيوز. 

أما الخبير السياسي محمود الطرن يشرح من منصة مهاجر نيوز إيجابيات وسلبيات العودة: "بالنسبة للعائلات الموجودة في أوروبا والتي لديها دخل ثابت وتأمين صحي و أطفالهم يذهبون إلى المدارس لن يفكروا بالعودة لأن هذه الأمور مفقودة في سوريا اليوم" 

من وجهة نظر الخبير السياسي: النظام التعليمي ليس مؤهلا بما فيه الكفاية والبنية التحتية لا تستوعب أعداد كبيرة، كما أن الرعاية الصحية في سوريا لا تزال منهارة "ونظام الرعاية الصحية المتكامل بأوروبا مفقود بالوقت الراهن في سوريا."

من الإيجابيات "لم الشمل"

الإيجابيات حسب رؤية الطرن: هي لم الشمل، "العائلات ‏فهناك الكثير من الناس الذين يفضلون العودة والعيش مع أهاليهم خاصة ‏الذين لم يتم البت بملف لجوئهم أو الذين لم يتمكنوا من لم شمل عائلاتهم أو الذين ما زالوا يعيشون في مراكز اللجوء." ويختتم حديثه معنا بأن موضوع العودة بشكل دائم يحتاج إلى تهيئة البنية التحتية وتأمين الرعاية العلمية والصحية والمسكن بشكل كافي لأن هذه التحديات ما زالت موجودة ويجب النظر إليها بصورة واقعية تبتعد عن العاطفة أو الخيال.

بالنسبة للشاب السوري سالم الذي ينحدر من مدينة حمص وعاد من تركيا ليستقر في دمشق ويعمل في التسويق بمشاريع مختلفة يقول: "في تركيا أصبح هناك تضييق كبير علينا كسوريين ومجرد ما أتيحت لي الفرصة أن هناك بلد بإمكاني أن أعيش فيه حتى وإن لم تتواجد كافة مستلزمات الحياة الأساسية لم أتراجع فقررت العودة بشكل فوري."  

سالم من مدينة حمص غادر تركيا إلى دمشق للعيش والعمل في المجال التسويقي 
سالم من مدينة حمص غادر تركيا إلى دمشق للعيش والعمل في المجال التسويقي 


من وجهة نظر الشاب السوري ذو التسعة وثلاثين عاما ‏الذي يشجع الناس إلى العودة بشكل دائم هو وجود المنزل الذي يأوي العائلة: " من لديه مسكن عاد دون التفكير بشكل كبير. أما لمن ليس لديهم منازل أو هدمت منازلهم لم يختار العودة بعد وذلك بسبب ارتفاع أجرة المنازل وكذلك التكلفة العالية لمواد البناء وضعف الدخل الفردي في سوريا." ويرى سالم أن هذا القرار سيكون صعبا جدا على أولئك الذين اعتادوا نمط حياة مختلف في أوروبا، أقلها الخدمات المتاحة مثل الكهرباء والإنترنت الذي بات ضرورة مهمة في حياتنا اليوم.  

وبما يخص المستثمرين يقول سالم الذي يعمل فيه المجال التسويقي للمشاريع: "المستثمرون يواجهون اليوم صعوبة في الحصول على اليد العاملة المختصة فعندما يفكرون بإطلاق مشاريع يُصدموا بواقع أنه لا يوجد كوادر كافية وذلك لأن أكثرية الكوادر هاجرت. ‏واستقطاب الأيدي العاملة ليس بالموضوع السهل فهو يتطلب تَكفُّل كامل بهم، لذا في الوقت الراهن يعتمد توفر الأيادي العاملة في المجالات الاختصاصية المطلوبة على العودة الطوعية لا على الاستقطاب."



تعليقات