البحر الأبيض المتوسط: إنقاذ 175 ألف مهاجر من قبل منظمات ألمانية غير حكومية خلال عشر سنوات

البحر الأبيض المتوسط: إنقاذ 175 ألف مهاجر من قبل منظمات ألمانية غير حكومية خلال عشر سنوات
البحر الأبيض المتوسط: إنقاذ 175 ألف مهاجر من قبل منظمات ألمانية غير حكومية خلال عشر سنوات

 أعلنت عدة منظمات ألمانية غير حكومية تعمل في البحر، من بينها "سي-آي" (Sea-Eye) و"سي-ووتش" (Sea-Watch)، يوم الأربعاء، أنها أنقذت 175 ألف لاجئ في وسط البحر الأبيض المتوسط بين عامي 2015 و2025. وطالبت هذه المنظمات الإنسانية، منذ سنوات، بروكسل بإنشاء قوة أوروبية خاصة بالإنقاذ في هذه المنطقة البحرية التي تعد من بين الأكثر فتكا في العالم، من أجل عدم ترك مسؤولية الإنقاذ على عاتق المجتمع المدني وحده.

وأكدت المنظمات الإنسانية الألمانية التي ترفع سفنها العلم الألماني، يوم الأربعاء 18 حزيران/ يونيو، أنها أنقذت أكثر من 175 ألف مهاجر في البحر الأبيض المتوسط خلال السنوات العشر الماضية، ودعت الدول إلى "تحمل مسؤولياتها أخيرا". وقد يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك إذا أُضيفت إليه حصيلة منظمات أخرى، خصوصا "إس أو إس ميديترانيه" أو "SOS Méditerranée"، التي أنقذت أكثر من 42 ألف شخص منذ تأسيسها في عام 2015.

وأشارت هذه المنظمات الإنسانية، ومن بينها "Sea-Eye ،Sea-Watch ،SOS Humanity ،ResQ-People"، إلى أنها "ممولة من التبرعات وتحظى بدعم قاعدة اجتماعية واسعة، إلا أن الضغوط علينا تتزايد"، وفق ما صرحت به ميركا شيفر، المتحدثة باسم منظمة "SOS Humanity" الألمانية.

وأضافت ساندرا بيلس، من تحالف "United4Rescue" (الذي يضم عدة منظمات ألمانية)، قائلة "لحسن الحظ، لا يزال دعم المجتمع لجهود الإنقاذ المدني في البحر قائما"، مشيرة إلى الدعم المستمر من المدن والنقابات ودور الحضانة، وكذلك من الشركات، "وذلك رغم كل العقبات [...]".

رضيع أُنعِش وتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة على يد أحد رجال الإنقاذ على متن سفينة *جيو بارينتس* في البحر الأبيض المتوسط، في حزيران/ يونيو 2022. حقوق الصورة: ميشال بونيل.
رضيع أُنعِش وتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة على يد أحد رجال الإنقاذ على متن سفينة *جيو بارينتس* في البحر الأبيض المتوسط، في حزيران/ يونيو 2022. حقوق الصورة: ميشال بونيل.

يتعرض المرسوم الإيطالي "بيانتيدوزي"، الصادر عام 2022، لانتقادات واسعة من قبل المنظمات غير الحكومية، إذ فرض سلسلة من الإجراءات التي تقيد عمليات سفن الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط وتُنظّم مهامها بشكل صارم.

لعل أبرزها الإجراء الذي يُجبر المنظمات غير الحكومية على التوجه "دون تأخير" إلى ميناء الإنزال الذي تحدده السلطات الإيطالية مباشرة بعد أول عملية إنقاذ. وغالبا ما يكون هذا الميناء بعيدا جدا عن منطقة الإنقاذ، وهو ما تندد به المنظمات الإنسانية. ووفقًا لـتقرير صادر عن منظمة "إس أو إس ميديترانيه" (SOS Méditerranée) في شباط/ فبراير 2025، فقد أضاعت سفن المنظمات غير الحكومية 735 يوما في الوصول إلى موانئ الإنزال، وقطعت ما يزيد عن 275,000 كيلومتر في المجموع.

وقررت بعض السفن الإنسانية وقف نشاطها بشكل كامل، من بينها سفينة "جيو بارينتس" التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود"، التي أنهت مهامها في وسط البحر الأبيض المتوسط في كانون الأول/ ديسمبر 2024، احتجاجا على القيود المتزايدة التي فرضتها السلطات الإيطالية والتي أعاقت عملها الإنساني.

أكثر من 25 ألف وفاة خلال 10 سنوات

وعلى مدى السنوات العشر الماضية، تواصلت المآسي في وسط البحر الأبيض المتوسط، حيث لقي أكثر من 25 ألف شخص حتفهم أو فُقدوا، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. ووفقًا لأحدث التقديرات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، توفي نحو 3,500 طفل في نفس المنطقة بين عامي 2014 و2024، أي بمعدل وفاة طفل واحد يوميا على مدار عشر سنوات.

لا يقتصر التواجد في هذه المنطقة البحرية على سفن وطائرات المنظمات الإنسانية مثل طائرة "سي بيرد" بل يشمل أيضا زوارق الدوريات الليبية والطائرات المسيّرة التابعة لوكالة فرونتكس الأوروبية لمراقبة الحدود. ورغم هذا الانتشار، تبقى المساحة البحرية شاسعة للغاية، ما يجعل تقديم المساعدة الفورية أمرا غير مضمون. فكثير من القوارب تمر دون أن تُكتشف وسط هذا الاتساع، فيما تغرق أخرى دون أن تلتقطها أعين المراقبة.


لهذا السبب تطالب ميركا شيفر، من منظمة SOS Humanity، دول الاتحاد الأوروبي بالتحرك جماعيا من أجل تحقيق فعالية أكبر، و"تحمّل مسؤولياتها أخيرا"، وتنظيم برنامج إنقاذ مشترك.

التنديد بوجود الليبيين في البحر

تستنكر شيفر بشدة الواقع القائم، حيث تتهم الاتحاد الأوروبي، عبر دوله السبع والعشرين، بـ"تعمد ترك آلاف الأشخاص يغرقون أو يُرحّلون إلى معسكرات تعذيب في ليبيا"، سواء عبر تجاهل نداءات الاستغاثة، أو من خلال تعطيل عمل فرق الإنقاذ التابعة للمنظمات المدنية..

رجل مسلح وملثم مجهول الهوية يثير الذعر على متن قارب يحمل مهاجرين، في 9 تموز/ يوليو 2024.
حقوق الصورة: SOS Méditerranée
رجل مسلح وملثم مجهول الهوية يثير الذعر على متن قارب يحمل مهاجرين، في 9 تموز/ يوليو 2024.
حقوق الصورة: SOS Méditerranée


وتتمثل العرقلة التي تشير إليها المتحدثة باسم المنظمة بالأساس في دور خفر السواحل الليبيين، الذين حصلوا على تفويض من بروكسل لاعتراض قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، حتى داخل المياه الدولية. فمنذ توقيع اتفاق في عام 2017، أصبحت طرابلس هي الجهة المسؤولة عن تنسيق عمليات الإنقاذ في وسط المتوسط، بدلا من مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما أو فاليتا (مالطا)، كما كان معمولا به سابقا. ونتيجة لذلك، يُعاد المهاجرون الذين يتم إنقاذهم في المياه الدولية إلى ليبيا.

للمزيد
مسلحون وملثمون يهددون المهاجرين في البحر.. قلق من تزايد العنف قبالة سواحل ليبيا

ورغم ذلك، فقد نُدد مرارا بسلوك خفر السواحل التابعين لطرابلس من قبل المنظمات غير الحكومية، بسبب وحشيتهم تجاه المهاجرين وعدم احترامهم للقانون الدولي البحري. وغالبًا ما يمنع الليبيون تنفيذ عمليات الإنقاذ، من خلال مضايقة المنظمات غير الحكومية، وتهديدها، بل وحتى إطلاق النار في بعض الحالات.

خفر السواحل الليبيون، المسلحون، على مقربة شديدة من قوارب المهاجرين في حالة استغاثة ومن الزودياك التابع لمنظمة SOS Humanity.
حقوق الصورة: SOS Humanity / X
خفر السواحل الليبيون، المسلحون، على مقربة شديدة من قوارب المهاجرين في حالة استغاثة ومن الزودياك التابع لمنظمة SOS Humanity.
حقوق الصورة: SOS Humanity / X


نظرا لأعمال العنف في البحر واحتجاجا على الإعادة القسرية للمهاجرين إلى ليبيا تدعو المنظمات غير الحكومية إلى إنهاء الاتفاق القائم بين الاتحاد الأوروبي وطرابلس.

وقد رفعت منظمتان، "Refugees in Libya وFront-LEX"، شكوى ضد فرونتكس في عام 2024، تطالبان فيها الوكالة بوقف أنشطتها في وسط البحر الأبيض المتوسط. وتتهم المنظمتان فرونتكس بالتواصل المنتظم مع الجانب الليبي، وتزويدهم ببيانات تحديد مواقع القوارب المهددة بالغرق. وبحسب الشكوى، فإن فرونتكس شريكة في الجرائم المرتكبة في ليبيا (عمليات إنزال قسرية، احتجازات تعسفية، جرائم قتل، تعذيب، واغتصاب...).

"إنشاء طرق قانونية وآمنة للهجرة"

ووفقا لإحصاءات المنظمات غير الحكومية منذ عام 2015، تم إرجاع 336 ألف شخص بشكل غير قانوني إلى ليبيا (وإلى تونس أيضا). أما بحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد أعيد منذ بداية هذا العام 10,600 شخص إلى ليبيا، من بينهم 9 ألاف رجل ونحو ألف امرأة.

كما تطالب المنظمات الإنسانية البحرية حكوماتها، وفي مقدمتها ألمانيا، باتخاذ إجراءات. حيث دعت جوليا ميسمر، المتحدثة باسم منظمة "سي-ووتش"، برلين إلى "إنشاء طرق هجرة قانونية وآمنة"، مؤكدة أن "عمليات الإرجاع إلى ليبيا ستستمر إن لم يتم ذلك".

وعمليا، توصي هذه المنظمات الاتحاد الأوروبي بالاقتداء بعملية "مار نوستروم"، وهي العملية الكبرى التي نفذتها البحرية الإيطالية بين عامي 2013 و2014 بعد غرق مأساوي تسبب في وفاة 368 شخصا. لكن "مار نوستروم" لم تدم سوى سنة واحدة، حيث تم استبدالها بعملية أوروبية أقل طموحًا هي "ترايتون"، التي توقفت بدورها في 2018، ثم خلفتها "ثيميس"، وتُتابع المهمة حاليا عملية "إيريني".



تعليقات