تصعيد ميداني في مدينتي الأبيض وكادوقلي وسط تصاعد التوترات العسكرية

تصعيد ميداني في مدينتي الأبيض وكادوقلي وسط تصاعد التوترات العسكرية
تصعيد ميداني في مدينتي الأبيض وكادوقلي وسط تصاعد التوترات العسكرية


شهدت مدينتا الأبيض وكادوقلي في السودان تصعيدًا عسكريًا جديدًا، حيث تعرضتا لقصف مدفعي وهجمات بطائرات مسيّرة اول امس، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية واسعة. وأفاد شهود عيان لراديو دبنقا أن القصف في كادوقلي استهدف مخازن الأسلحة التابعة للمدرعات، وأسفر عن سماع دوي انفجارات عنيفة في محيط المدينة. كما تداول مواطنون مقطع فيديو يُظهر سقوط إحدى القذائف داخل حرم أكاديمية العلوم الصحية، ما أثار حالة من الذعر بين السكان. وأكدت مصادر محلية أن عددًا من المنازل في كادوقلي تعرضت لأضرار مباشرة نتيجة القصف المدفعي، وسط مخاوف من تجدد الهجمات في ظل غياب أي مؤشرات على التهدئة.


كارثة منجمية

في تطور مقلق آخر، أعلنت لجنة مناهضة السيانيد بمحافظة قدير في جنوب كردفان عن وفاة 23 شخصًا وإصابة 145 آخرين في منجم التقولة، وسط ترجيحات بوجود تفشٍ للكوليرا أو حالات تسمم ناتجة عن مخلفات التعدين. وأوضحت اللجنة في بيان رسمي أن السلطات في محافظة تلودي اتخذت إجراءات طارئة، شملت منع الدخول والخروج من المدينة بعد تحويل المصابين إلى مستشفى تلودي، الذي سجل العدد الأكبر من الوفيات. كما أصدرت الجهات الأمنية قرارًا بمنع دخول أي مركبات تحمل مخلفات الكرتة إلى مدينة كالوقي، حاضرة محافظة قدير، في محاولة للحد من انتشار المرض. هذه التطورات أثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الصحية، خاصة مع غياب تشخيص دقيق لأسباب الوفيات حتى الآن.


تفشي محلي

مصادر طبية في جنوب كردفان كشفت عن تسجيل 73 حالة إصابة جديدة، بينها سبع وفيات في مدينة تلودي، معظمها قادمة من مناطق التعدين في التقولة. وأشارت إلى أن السلطات المحلية أوقفت جميع الأنشطة التجارية، بما في ذلك محال بيع اللحوم والخضروات والمطاعم ومحلات الشاي، لمدة ثلاثة أيام، كإجراء احترازي. كما تم إطلاق حملات تطهير واسعة لمنازل المصابين، إلى جانب جهود توعية مكثفة عبر مكبرات الصوت، والمحاضرات في المساجد والأندية، والزيارات المنزلية. هذه الإجراءات تأتي في ظل مخاوف من انتشار المرض بشكل أوسع، خاصة مع ضعف البنية الصحية في المنطقة.



انتشار الكوليرا

وزارة الصحة الاتحادية كانت قد أعلنت في وقت سابق عن تسجيل 611 حالة إصابة بالكوليرا في 15 ولاية سودانية، من بينها شمال كردفان، وجنوب كردفان، وجنوب دارفور، ووسط وشرق دارفور. هذا الانتشار الواسع للوباء يعكس هشاشة النظام الصحي في البلاد، ويزيد من تعقيد الوضع الإنساني، خاصة في المناطق التي تعاني من النزاع المسلح والنزوح الجماعي. وتواجه السلطات الصحية تحديات كبيرة في احتواء المرض، في ظل نقص حاد في الموارد الطبية، وتدهور الخدمات الأساسية، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من الجهات الدولية لدعم جهود الاستجابة.


أزمة كادوقلي

في مدينة كادوقلي، مركز ولاية جنوب كردفان، تتفاقم الأزمة الصحية بشكل متسارع، حيث تشهد المدينة ارتفاعًا حادًا في تكاليف العلاج، وانتشارًا واسعًا للأمراض والأوبئة. وأفاد مصدر طبي لراديو دبنقا أن حالات الإصابة بالملاريا والتيفوئيد سجلت معدلات غير مسبوقة خلال الأسابيع الأخيرة، إلى جانب تفشي الإسهال المائي الحاد الذي يتسبب في وفيات يومية. وأوضح أن مستشفى كادوقلي يعاني من اكتظاظ شديد، وسوء بيئة صحية داخل العنابر بسبب الحرارة المرتفعة وضعف التهوية، ما يجعل الإقامة فيه شبه مستحيلة. كما أشار إلى أن الأدوية الأساسية شبه معدومة، باستثناء المحاليل الوريدية، بينما تُباع الأدوية الأخرى في الصيدليات بأسعار باهظة، حيث بلغ سعر دواء “الساميكسون” 15 ألف جنيه، فيما انقطع دواء “الكوارتم” الخاص بالملاريا من الأسواق.


تكلفة العلاج

المصدر ذاته أكد أن تكاليف الفحوصات الطبية ارتفعت بشكل كبير نتيجة نقص المحاليل المخبرية، حيث بلغ سعر فحص الملاريا 10 آلاف جنيه، بينما تراوح فحص التيفوئيد بين 15 و20 ألف جنيه. وأوضح أن تكلفة العلاج الكامل أصبحت تفوق قدرة معظم الأسر، إذ تصل تكلفة أربع جرعات من دواء “الساميكسون” إلى نحو 60 ألف جنيه. هذه الأرقام تعكس حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون في كادوقلي، وتؤكد أن المدينة تواجه كارثة صحية وإنسانية حقيقية، في ظل غياب الدعم الكافي من الجهات المختصة، واستمرار تدهور الأوضاع الميدانية.


وضع دارفور

في ولاية جنوب دارفور، أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل خمس حالات إصابة جديدة بالكوليرا، من بينها حالة وفاة واحدة، ليرتفع إجمالي الإصابات في الولاية إلى 5805 حالة، و275 وفاة، منذ ظهور أول حالة في 27 مايو 2025. هذه الأرقام تؤكد استمرار انتشار الوباء في دارفور، رغم الجهود المبذولة لاحتوائه. وأشارت الوزارة إلى أن الإصابات الأخيرة تم تسجيلها في محليتي نيالا شمال ونيالا جنوب، ما يعكس اتساع رقعة التفشي، ويزيد من الضغط على النظام الصحي المحلي.


جهود مجتمعية

الناشط المجتمعي عبدالله محمد الحسن أكد أن وباء الكوليرا بدأ في الانحسار تدريجيًا، بفضل حملات التطعيم الواسعة، وجهود إصحاح البيئة، والتدابير الوقائية التي نُفذت خلال الأسابيع الماضية. وأضاف أن هذه الجهود ساهمت أيضًا في الحد من انتشار الملاريا، رغم التحديات المستمرة. وأشار إلى أن معاناة النازحين في مراكز الإيواء لا تزال تتفاقم، مع تزايد أعدادهم يوميًا، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من المنظمات الإنسانية لتقديم الدعم والخدمات الأساسية. وأوضح أن تنسيقًا يجري حاليًا بين حكومة الولاية والمنظمات لتجميع النازحين الموزعين على سبعة مراكز في مواقع أكبر، بهدف تسهيل تقديم الخدمات وضمان العدالة في توزيع المساعدات.


تعليقات