البراء : لسنا مليشيا ولا نتبع لأي تيار ديني أو مشروع أيديولوجي

البراء : لسنا مليشيا ولا نتبع لأي تيار ديني أو مشروع أيديولوجي
البراء : لسنا مليشيا ولا نتبع لأي تيار ديني أو مشروع أيديولوجي


 في ظل تصاعد الجدل حول مستقبل القوات شبه العسكرية في السودان، أكد قائد البراء بن مالك، المصباح طلحة، أن هذه القوة الوطنية المستقلة لا تتبع لأي جهة سياسية ولا تسعى إلى السلطة، مشددًا على التزامها الكامل بالدفاع عن الشعب السوداني وحماية أمنه دون استهداف المدنيين أو الانخراط في مشاريع أيديولوجية أو حزبية. وجاء هذا التصريح في بيان توضيحي أصدرته الميليشيا ، ردًا على المخاوف المتداولة داخل السودان وخارجه بشأن طبيعة هذه القوات ودورها في مرحلة ما بعد الحرب، حيث شدد البيان على أن تلك المخاوف مبالغ فيها ولا تستند إلى معطيات واقعية، مؤكدًا أن الفيلق يلتزم بأهدافه المعلنة ومبادئه التي تضع مصلحة السودان فوق أي اعتبار.

البيان الذي استهل بآية قرآنية وأحاديث نبوية تشير إلى رمزية الاسم، أوضح أن اختيار اسم البراء بن مالك لا يعكس توجهًا دينيًا أو مشروعًا أيديولوجيًا، بل يستلهم من شخصية تاريخية تمثل الفداء والثبات والشجاعة في وجه الطغيان، وأن الهدف من التسمية هو ترسيخ قيم القتال من أجل الحق والضعفاء، لا من أجل الحكم أو السلطة. ذكر البيان أن قوات البراء بن مالك ليست مليشيا ولا أتباعًا لأي جهة، بل امتداد طبيعي لمشروع المقاومة الوطنية، نشأت من رحم الشعب السوداني وتربّت على معاني البذل والانضباط، وتعمل في الميدان وفقًا لمبادئ واضحة لا تقبل المساومة وفق البيان .

وجاء هذا التوضيح في وقت تشهد فيه الساحة السياسية السودانية تطورات متسارعة، أبرزها إصدار رئيس الوزراء السوداني المدعوم من قبل الجيش، الدكتور كامل إدريس، قرارًا بإنشاء وحدة جديدة تُعنى بقضايا الشباب، تتبع مباشرة لمكتبه التنفيذي، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط المدنية والسياسية. وتشير المصادر في مدينة بورتسودان إلى أن هذه الوحدة تهدف إلى ضمان مشاركة واسعة لكتيبة الإسناد الوطني التابعة لمجموعة البراء بن مالك، والتي أعلنت مؤخرًا تخليها عن العمل العسكري والتوجه نحو ما وصفته بـ”العمل المدني”، وسط اتهامات بأن هذه الخطوة تمثل غطاءً لإعادة تموضع الميليشيات الإسلامية داخل مؤسسات الدولة المدنية.

وبحسب المصادر المتداولة ذاتها، فإن القرار لا يهدف فقط إلى تمكين الشباب من المشاركة في رسم السياسات التنموية، بل يُنظر إليه كستار لإعادة هيكلة النفوذ الإسلامي داخل مؤسسات العمل المدني، ومنع عودة التنسيقيات الشبابية للجان المقاومة التي قادت الحراك الشعبي ضد انقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وتؤكد المصادر أن هذه الخطوة تسعى أيضًا إلى السيطرة على الموارد والبرامج الخاصة بالعمل المدني، وإغلاق المساحات التي كانت تنشط فيها الحركات الشبابية المناهضة لحكم العسكر، خاصة مع بدء عودة المواطنين من مناطق النزوح واللجوء.

وتأتي هذه التحركات ضمن سياق أوسع لإعادة توزيع الأدوار داخل العاصمة الخرطوم، حيث يُتوقع أن تتولى كتيبة البراء مهام تتعلق بالإعمار والخدمات الاجتماعية، بما في ذلك تنظيم التكايا، وذلك بعد أن فرض والي الخرطوم التابع للجيش قيودًا على عملها، مشترطًا الحصول على تصاريح مسبقة. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من عملية إدماج الميليشيات التي قاتلت إلى جانب الجيش في الحكومة التابعة له، بعد تلقيها دعمًا ماليًا ضخمًا من التنظيم الإسلامي، بلغت قيمته نحو 300 مليون دولار، بهدف السيطرة على مفاصل العمل المدني خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في ولاية الخرطوم، في وقت تتزايد فيه المخاوف من إعادة إنتاج منظومات أمنية موازية تحت غطاء إداري وتنموي.

برزت ميليشيا البراء بن مالك في المشهد السوداني بوصفها قوة عسكرية غير نظامية تشكلت في أعقاب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل من عام 2019، لتعيد إلى الواجهة الجدل حول دور الحركات الإسلامية المسلحة في مرحلة ما بعد الإنقاذ. تتألف هذه الكتيبة من عناصر شبابية تنتمي إلى الحركة الإسلامية، التي تُعد الذراع الأيديولوجي لتنظيم الإخوان المسلمين في السودان، وهو التنظيم الذي حكم البلاد منذ انقلاب عام 1989 وحتى سقوطه بعد ثلاثة عقود من السلطة.

يتولى قيادة هذه الميليشيا المصباح أبو زيد طلحة إبراهيم، وهو شخصية مدنية كانت تدير نشاطًا تجاريًا قبل اندلاع الحرب، ثم انتقل إلى قيادة تشكيل عسكري اكتسب نفوذًا متزايدًا في ظل التحولات الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد. وتُعد الكتيبة امتدادًا عمليًا لفكر الإخوان المسلمين، حيث تضم في صفوفها عناصر تُعرف باسم “المجاهدين”، وهم كوادر عسكرية ومدنية سبق لهم النشاط ضمن مؤسسات النظام السابق خلال فترة حكم الإنقاذ.

عقب سقوط النظام، واجه الإسلاميون حالة من الإقصاء السياسي، ما دفعهم إلى إعادة تنظيم صفوفهم مستغلين حالة الاضطراب التي رافقت المرحلة الانتقالية، وسعوا إلى العودة إلى المشهد عبر دعم المؤسسة العسكرية في مواجهتها مع القوى المدنية. وقد ظهرت الكتيبة بشكل علني بعد انقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان في أكتوبر 2021، وبدأت نشاطها في سد الفراغ الذي خلفته الإضرابات داخل المؤسسات المدنية، قبل أن تتحول لاحقًا إلى قوة قتالية فاعلة خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في أبريل 2023.

شاركت الكتيبة في العمليات العسكرية إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، ولعبت دورًا محوريًا في معارك استراتيجية شملت مقر المدرعات وسلاح المهندسين وسلاح الإشارة، ما عزز من حضورها العسكري والسياسي. ومع اتساع نطاق عملياتها، أعلنت الكتيبة عن تحولها إلى “لواء البراء بن مالك”، كما كشفت عن تأسيس فصيلة نسائية تحمل اسم “أسماء بنت أبي بكر الصديق”، في خطوة رمزية تعكس ارتباطها بالرموز الإسلامية التاريخية.

تشير التقديرات إلى أن عدد أفراد هذه القوة يتجاوز خمسين ألف مقاتل، مع وجود خطط معلنة للتحول إلى “فيلق” عسكري مستقل، وهو ما يعكس طموحًا واضحًا لتكوين جيش موازٍ خارج إطار المؤسسة العسكرية الرسمية. وقد أثار هذا التوسع غضبًا واسعًا في الأوساط الثورية، خاصة بعد تداول مقاطع مصورة يظهر فيها مقاتلو الكتيبة وهم يسخرون من الثورة الشعبية التي أطاحت بالبشير، ما دفع لجان المقاومة إلى اعتبارها امتدادًا لقوى الثورة المضادة، متهمةً إياها بمحاولة إجهاض مكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة.

وفي السياق ذاته، عبّر عدد من السياسيين عن قلقهم من الدور الذي تلعبه هذه الميليشيات في تعقيد المشهد السوداني، معتبرين أنها تمارس ضغوطًا على الجيش وتساهم في إطالة أمد الحرب، الأمر الذي يهدد وحدة البلاد ويعزز من عسكرة الحياة السياسية، في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى إنهاء النزاع وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية وديمقراطية.


تعليقات