حزب البشير يلوح بالعودة الى حكم السودان بعد انتهاء الحرب

حزب البشير يلوح بالعودة الى حكم السودان بعد انتهاء الحرب
حزب البشير يلوح بالعودة الى حكم السودان بعد انتهاء الحرب


 في أول تصريح إعلامي له منذ سنوات، أدلى أحمد هارون، المسؤول السوداني السابق في نظام الرئيس المعزول عمر البشير وأحد المطلوبين الأربعة لدى المحكمة الجنائية الدولية، بتصريحات لوكالة “رويترز” أعرب فيها عن توقعاته ببقاء الجيش في السلطة عقب انتهاء الحرب، مشيراً إلى أن الانتخابات المقبلة قد تتيح لحزب المؤتمر الوطني، الذي كان الحزب الحاكم سابقاً، والحركة الإسلامية المرتبطة به، فرصة للعودة إلى المشهد السياسي والحكم .

ورغم أن بعض قادة الجيش والموالين للنظام السابق يتجنبون الحديث العلني عن الروابط بينهم وبين الحركة الإسلامية، خشية إثارة السخط الشعبي تجاه إرث البشير وحلفائه، فإن مصادر متعددة أكدت وجود تحركات ملموسة في هذا الاتجاه. فقد أفاد سبعة من أعضاء الحركة الإسلامية وستة مصادر عسكرية وحكومية بأن التقدم العسكري الأخير أتاح للحركة الإسلامية التفكير في استعادة دورها الوطني.

عودة الحركة الإسلامية إلى الواجهة السياسية قد تمثل انتكاسة لمسار الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في أواخر عام 2018 مطالبة بالديمقراطية، كما أنها قد تثير قلقاً لدى أطراف إقليمية متوجسة من تنامي النفوذ الإسلامي في السودان. وتدعم هذه المخاوف تقارير عن تعيين عدد من الإسلاميين وحلفائهم في حكومة رئيس الوزراء التكنوقراطي كامل إدريس، الذي عُين من قبل الجيش في مايو الماضي.

وفي رد رسمي على استفسار من “رويترز”، نفى ممثل قيادة الجيش السوداني وجود أي تنسيق أو تحالف مع الأحزاب السياسية، مؤكداً أن الجيش لا يسمح لأي جهة بالتدخل في قراراته، رغم ما وصفه بمحاولات بعض قادة الإسلاميين لاستغلال الحرب للعودة إلى السلطة.

وفي مقابلة أجريت معه في أواخر أبريل من مكان غير معلوم في شمال السودان، حيث يختبئ وسط انقطاع الكهرباء، قال أحمد هارون إن حزب المؤتمر الوطني يقترح نموذج حكم يمنح الجيش السيطرة على الملفات السيادية، بالنظر إلى التهديدات الأمنية والتدخلات الخارجية، على أن تتولى الانتخابات اختيار رئيس وزراء لإدارة الحكومة. وأضاف أن الحزب اتخذ قراراً استراتيجياً بعدم العودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع بعد انتهاء الحرب، مؤكداً رفضه المشاركة في أي حكومة انتقالية غير منتخبة.

وأشار هارون إلى أن النموذج الغربي للحكم لا يتناسب مع واقع السودان، داعياً إلى صيغة جديدة تحدد دور الجيش في السياسة، في ظل ما وصفه بالهشاشة الأمنية والطموحات الخارجية، معتبراً أن الحرب الحالية لن تكون الأخيرة في البلاد. كما اقترح إجراء استفتاء شعبي على الشخصية التي يقدمها الجيش لتولي الحكم.

ينتمي حزب المؤتمر الوطني إلى الحركة الإسلامية السودانية التي كانت القوة السياسية والدينية المهيمنة خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير في تسعينيات القرن الماضي، وهي المرحلة التي شهدت استضافة السودان لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. غير أن هذه الحركة تخلّت منذ سنوات عن نهجها الأيديولوجي المتشدد، مفضّلة التركيز على ترسيخ نفوذها السياسي وتعزيز مصالحها الاقتصادية.

عودة هذا التيار إلى المشهد السياسي تحمل تداعيات خطيرة على مسار الانتفاضة الشعبية المؤيدة للديمقراطية التي انطلقت في أواخر عام 2018، كما أنها تهدد بتعقيد علاقات السودان الإقليمية، خاصة مع الدول التي تبدي حساسية تجاه تصاعد النفوذ الإسلامي، ومن بينها الإمارات العربية المتحدة التي قد تتأثر علاقتها بالخرطوم سلبًا نتيجة هذا التحول.

في سياق يعكس هذا التوجه، شهدت حكومة رئيس الوزراء كامل إدريس، الذي عيّنه الجيش في مايو الماضي، تعيين عدد من الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي وحلفائه منذ بداية الشهر المنصرم. إدريس، الذي يُقدَّم على أنه تكنوقراطي، يقود حكومة تتزايد فيها مؤشرات النفوذ الإسلامي، ما يثير تساؤلات حول طبيعة المرحلة الانتقالية المقبلة.

أحمد هارون، أحد أبرز حلفاء البشير والذي فرّ من السجن مع اندلاع النزاع، تحدث إلى وكالة رويترز  من مخبئه في شمال السودان، حيث يعيش دون كهرباء. وأوضح أن المؤتمر الوطني يتبنى تصورًا لنظام حكم هجين يمنح الجيش السيادة الكاملة إلى حين زوال ما وصفه بـ”التهديدات”، على أن تُجرى انتخابات لاحقة تُسند إدارة الحكومة إلى المدنيين.

وأكد هارون أن الحزب اتخذ قرارًا استراتيجيًا بعدم السعي للعودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع بعد انتهاء الحرب، مشيرًا إلى أن النموذج الغربي للحكم لا يتناسب مع الواقع السوداني. وأضاف أن السودان بحاجة إلى تطوير نموذج خاص لدور الجيش في الحياة السياسية، بالنظر إلى حالة انعدام الأمن والتدخلات الخارجية، معتبرًا أن البلاد لن تشهد نهاية للحروب في المستقبل القريب.

وفي سياق متصل، أفاد ضابط رفيع في الجيش بأن المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن يديرها الجيش قبل إجراء الانتخابات “لن تكون قصيرة”، في إشارة إلى احتمال تمديد السيطرة العسكرية على السلطة لفترة غير محددة.

ويواجه هارون تهماً من المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وتعود بوادر عودة الفصائل الإسلامية إلى ما قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، وهي فترة شهدت انحرافاً تدريجياً في مسار الانتقال نحو الحكم المدني. وقد عززت هذه الفصائل وجودها داخل مؤسسات الدولة والجيش خلال فترة حكم البشير التي امتدت لثلاثة عقود.

وتكشف وثيقة حصلت عليها “رويترز” من مسؤول إسلامي بارز في حزب المؤتمر الوطني عن دور محوري للشبكات الإسلامية منذ بداية القتال. وتفصل الوثيقة المهام التي نفذها عناصر الحركة الإسلامية، بما في ذلك مساهمتهم المباشرة في العمليات العسكرية للجيش، حيث بلغ عدد المقاتلين الذين تم الدفع بهم ما بين 2000 إلى 3000 خلال السنة الأولى من الصراع.

كما تضمنت الوثيقة معلومات عن تدريب مئات الآلاف من المدنيين الذين استجابوا لدعوة الجيش للتعبئة العامة، وانضم أكثر من 70 ألفاً منهم إلى العمليات العسكرية. وأكدت ثلاث مصادر عسكرية من الجيش والفصائل المتحالفة معه أن هذه الخطوة ساهمت في تعزيز صفوف القوات البرية التي كانت تعاني من نقص في الأفراد.

وقدرت مصادر عسكرية عدد المقاتلين المرتبطين مباشرة بحزب المؤتمر الوطني بنحو 5000 عنصر، يخدم معظمهم في وحدات “قوات العمل الخاص”، التي حققت مكاسب ميدانية بارزة، خاصة في العاصمة الخرطوم. كما أفاد مقاتلون إسلاميون ومصادر عسكرية بأن عناصر أخرى، تلقوا تدريباً على يد الإسلاميين، يخدمون حالياً في لواء نخبة أعيد تشكيله ويتبع جهاز المخابرات العامة.


تعليقات