وثيقة سرية صادرة عن حزب المؤتمر الوطني، حصلت عليها وكالة “رويترز” من مصدر إسلامي رفيع، تكشف عن الدور المحوري الذي لعبته الشبكات الإسلامية منذ اندلاع النزاع العسكري في السودان. الوثيقة تتضمن تقارير ميدانية من عناصر إسلاميين إلى قياداتهم، تفصل مساهماتهم المباشرة في دعم الجيش السوداني، بما يشمل إرسال ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل خلال السنة الأولى من القتال.
كما تشير الوثيقة إلى قيام هذه الشبكات بتدريب مئات الآلاف من المدنيين الذين استجابوا لدعوة الجيش للتعبئة العامة، حيث انضم أكثر من سبعين ألفاً منهم إلى العمليات العسكرية. وأكدت ثلاثة مصادر عسكرية من الجيش وفصائل متحالفة معه أن هذه التعبئة ساهمت في تعزيز القوات البرية التي كانت تعاني من نقص في الأفراد.
وقدرت مصادر عسكرية عدد المقاتلين المرتبطين مباشرة بحزب المؤتمر الوطني بنحو خمسة آلاف عنصر، يخدم معظمهم ضمن وحدات “قوات العمل الخاص”، التي حققت مكاسب ميدانية بارزة، خاصة في العاصمة الخرطوم. وأفادت مصادر عسكرية ومقاتلون إسلاميون بأن عناصر أخرى، تلقوا تدريبات على يد الإسلاميين، يخدمون حالياً ضمن لواء نخبة أعيد تشكيله ويتبع جهاز المخابرات العامة.
في المقابل، نفت مصادر في الجيش، إلى جانب أحمد هارون، وجود أي سلطة للفصائل الإسلامية على الجيش. وفي أول مقابلة إعلامية له منذ سنوات، شكك أحمد هارون، المسؤول السابق في نظام عمر البشير وأحد المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، في صحة الوثيقة التي اطلعت عليها “رويترز”، كما شكك في الوثيقة والروايات التي تتحدث عن مشاركة آلاف المقاتلين المرتبطين بالحزب في القتال إلى جانب الجيش. ورفض تقديم أرقام دقيقة حول عدد المقاتلين الإسلاميين، لكنه أقر بأن دعمهم للجيش يأتي استجابة لدعوة القائد الأعلى للتعبئة العامة، معتبراً ذلك أمراً غير سري.
بعض قادة الجيش والموالين للنظام السابق سعوا إلى التقليل من أهمية العلاقة بين الجيش والحركة الإسلامية، خشية من ردود الفعل الشعبية الرافضة للرئيس المخلوع عمر البشير وحلفائه في حزب المؤتمر الوطني. إلا أن سبعة من أعضاء الحركة الإسلامية وستة مصادر عسكرية وحكومية أكدوا أن التقدم العسكري الأخير للجيش أتاح للحركة التفكير في استعادة دورها الوطني.
عودة الحركة الإسلامية إلى الواجهة قد تمثل انتكاسة لمسار الانتفاضة الديمقراطية التي انطلقت في السودان أواخر عام 2018، كما أنها قد تعقد علاقات السودان مع أطراف إقليمية تبدي تحفظاً تجاه أي نفوذ إسلامي. وتدعم هذه المخاوف تقارير عن تعيين عدد من الإسلاميين وحلفائهم في حكومة رئيس الوزراء التكنوقراطي كامل إدريس، الذي عُين من قبل الجيش في مايو الماضي.
الحركة الإسلامية السودانية دأبت منذ سنوات على تقديم تدريبات عسكرية لعناصرها، من خلال وسائل متعددة، منها قوات الدفاع الشعبي التي كانت تُعد احتياطية في عهد البشير. وخلال الحرب، ظهرت وحدات إسلامية شبه مستقلة، أبرزها كتيبة البراء بن مالك، أحد قادتها المهندس أويس غانم البالغ من العمر 37 عاماً. وأوضح غانم في تصريح لـ”رويترز” أنه تعرض للإصابة ثلاث مرات أثناء مشاركته في معارك حاسمة لفك الحصار عن قواعد الجيش في العاصمة في وقت سابق من هذا العام.
غانم أشار إلى أن أفراد الكتيبة يحصلون على الأسلحة الخفيفة والمدفعية والطائرات المسيّرة بناءً على تعليمات الجيش، ويتلقون الأوامر منه مباشرة. إلا أن مراقبين لحقوق الإنسان وجهوا اتهامات للكتيبة بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القضاء في المناطق التي استعادت السيطرة عليها مؤخراً في الخرطوم، وهي اتهامات نفى غانم صحتها.
في أول ظهور إعلامي له منذ سنوات، أدلى أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتولى السلطة خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير وأحد المطلوبين الأربعة لدى المحكمة الجنائية الدولية، بتصريحات مثيرة للجدل حول مستقبل الحكم في السودان. وأعرب هارون عن اعتقاده بأن المؤسسة العسكرية ستظل ممسكة بزمام السلطة عقب انتهاء الحرب، مشيراً إلى أن الانتخابات المقبلة قد تفتح الباب أمام عودة حزبه والحركة الإسلامية المرتبطة به إلى المشهد السياسي من جديد.
تأتي هذه التصريحات في ظل استمرار النزاع المسلح الذي اندلع قبل أكثر من عامين بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي خلّف تداعيات كارثية على المستويين الإنساني والسياسي. فقد أسفر الصراع عن موجات من العنف العرقي، وانتشار المجاعة، ونزوح جماعي للسكان، فضلاً عن تدخلات إقليمية ودولية متزايدة. وتصف الأمم المتحدة الوضع الراهن في السودان بأنه يمثل أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، في ظل انهيار شبه كامل للبنية التحتية وتفاقم الاحتياجات الأساسية للسكان.
ورغم أن قوات الدعم السريع لا تزال تسيطر على مناطق واسعة في دارفور وجنوب البلاد، ولا توجد مؤشرات واضحة على قرب انتهاء القتال، فإن الجيش السوداني تمكن خلال الأشهر الأخيرة من تحقيق تقدم ملموس في عدد من الجبهات. ويؤكد بعض المشاركين من التيار الإسلامي أن لهم دوراً محورياً في هذه المكاسب العسكرية، ما يعزز من احتمالات إعادة تموضعهم سياسياً في حال استقرار الأوضاع وعودة العملية الانتخابية.


تعليقات
إرسال تعليق